قوله تعالى:{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ} .
لما أنكر الكفار بعثهم وآباءهم الأولين ،وأمر الله رسوله أن يخبرهم أنه تعالى باعث جميع الأولين والآخرين ،وذكر جزاء منكري البعث بأكل الزقوم وشرب الحميم ،أتبع ذلك بالبراهين القاطعة الدالة على البعث فقال: نحن خلقناكم هذا الخلق الأول فلولا تصدقون .أي فهل لا تصدقون بالبعث الذي هو الخلق الثاني ،لأن إعادة الخلق لا يمكن أن تكون أصعب من ابتدائه كما لا يخفى .
وهذا البرهان على البعث بدلالة الخلق الأول على الخلق الثاني ،جاء موضحاً في آيات كثيرة جداً كقوله تعالى{وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [ الروم: 27] ،وقوله:{كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [ الأنبياء: 104] ،وقوله تعالى:{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ في رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [ الحج: 5] وقوله تعالى:{قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [ يس: 79] ،وقوله تعالى:{فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الذي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [ الإسراء: 51] ،والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة ،وقد ذكرناها بإيضاح وكثرة في مواضع كثيرة من هذا الكتاب المبارك في سورة البقرة والنحل والحج والجاثية ،وغير ذلك من المواضع وأحلنا عليها كثيراً .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة:{فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ} ،لولا حرف تحضيض ،ومعناه الطلب بحث وشدة ،فالآية تدل على شدة حث الله للكفار وحضه لهم على التصديق بالبعث لظهور برهانه القاطع الذي هو خلقه لهم أولاً .