قوله تعالى:{قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} .
ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن المشركين إذ أتاهم عذاب من الله ،أو أتتهم الساعة أخلصوا الدعاء الذي هو مخ العبادة لله وحده ،ونسوا ما كانوا يشركون به .لعلمهم أنه لا يكشف الكروب إلا الله وحده جل وعلا .
ولم يبين هنا نوع العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص لله ،ولم يبين هنا أيضاً إذا كشف عنهم العذاب هل يستمرون على إخلاصهم ،أو يرجعون إلى كفرهم وشركهم ،ولكنه بين كل ذلك في مواضع أخر .
فبين أن العذاب الدنيوي الذي يحملهم على الإخلاص ،هو نزول الكروب التي يخاف من نزلت به الهلاك ،كأن يهيج البحر عليهم وتلتطم أمواجه ،ويغلب على ظنهم أنهم سيغرقون فيه إن لم يخلصوا الدعاء لله وحده ،كقوله تعالى{حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِين َفَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ} [ يونس: 22-23] ،وقوله{وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَ إِيَّاهُ} [ الإسراء: 67] ،وقوله{فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [ العنكبوت: 65] ،وقوله{وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [ لقمان: 32] ،إلى غير ذلك من الآيات .
وبين أنهم إذا كشف الله عنهم ذلك الكرب ،رجعوا إلى ما كانوا عليه من الشرك في مواضع كثيرة كقوله{فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [ الإسراء: 67] وقوله{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [ العنكبوت: 65] ،وقوله{قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} [ الأنعام: 64] ،وقوله{فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الْحَقِّ} [ يونس: 23] إلى غير ذلك من الآيات .
وبين تعالى أن رجوعهم للشرك بعد أن نجاهم الله من الغرق من شدة جهلهم ،وعماهم: لأنه قادر على أن يهلكهم في البر كقدرته على إهلاكهم في البحر ،وقادر على أن يعيدهم في البحر مرة أخرى ،ويهلكهم فيه بالغرق فجرأتهم عليه إذا وصلوا البر لا وجه لها ؛لأنها من جهلهم وضلالهم ،وذلك في قوله{أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [ الإسراء: 68-69] .