/م40
قال تعالى:
{ قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين ( 40 )} قوله تعالى ( أرأيتكم ) هو عند جمهور علماء العربية بمعنى « أخبروني » والتاء ضمير رفع والكاف حرف خطاب أكد به الضمير لا محل له وتتغير حركته باختلاف المخاطب دون التاء فتظل مفتوحة في المؤنث والمثنى والجمع وقد أطالوا القول في المذهب والآراء في إعرابه ومعناه في كتب اللغة وبعض كتب التفسير .وأقول إن هذه الصيغة « أرأيتكم » في خطاب الجمع بالكاف والميم لم تذكر إلا في هذه الآية وفي الآية الآتية بعد بضع آيات وذكرت في خطاب المفرد بالكاف في قوله تعالى من سورة الإسراء{ أرأيتك هذا الذي كرمت علي} [ الإسراء:62] الخ وليس في هذه الآية استفهام في الجملة الشرطية ولكن المفسرين قدروا فيها استفهاما محذوفا .قال البيضاوي كغيره:والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمت علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي ؟ وجعل قوله بعد ذلك{ لئن أخرتني إلى يوم القيامة} [ الإسراء:62] الخ – كلاما مبتدأ .
وقد استعمل أرأيت وأرأيتم – بدون كاف – مثل هذا الاستعمال في أكثر من عشرين آية أكثرها قد صرح فيه بعدها بالاستفهام فمنه في جملة غير شرطية قوله تعالى:{ أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا} [ الفرقان:43] وقوله:{ قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض} [ الأحقاف:4] ومثلها الآيات التي في سورة الواقعة .ومنه في الجمل الشرطية{ أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون} [ الشعراء:205-207] ومثلها الآيات التي في آخر سورة العلق والآيات التي في آخر سورة الملك .فمن تأمل هذه الآيات كلها لا يظهر له فيها ما قالوه من أن معناها أخبرني وأخبروني إلا بما يأتي من التوجيه ، قال القاضي البيضاوي في ( أرأيتكم ):استفهام وتعجيب .وقال الراغب في مفرداته بعد الإشارة إلى عدة آيات مصدرة بهذا اللفظ:كل ذلك فيه معنى التنبيه .وقد سدد كل منهما وقارب .
والذي أراه جامعا بين الأقوال أن « أرأيتكم » و « أرأيتم » استفهام عن الرأي ، أو عن الرؤية التي بمعنى العلم ، وأن الاستفهام في هذا الاستعمال للتقرير ، وأن المراد منه التنبيه والتمهيد ، لما يذكر بعده من نبإ غريب أو عجيب ، أو استفهام تقوم به في المسألة الحجة ، وتدحض الشبهة ، ولولا أن الاستفهام للتقرير ، لما كان لقول الجمهور إنه بمعنى طلب الأخبار وجه وجيه ، والمفعول الأول لأرأيت أو أرأيتم التي تتلوها الجملة الشرطية محذوف يفهم من مضمونها ويقدر بحسب المقام وقد تسد الجملة الاستفهامية مسد المفعولين .
والمعنى:قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين أرأيتم أنتم أنفسكم كيف تكون حالكم مع من تعبدون – أو أرأيتم ما تدعون من دون الله – أي أخبروني عن رأيكم أو عن مبلغ علمكم في ذلك – إن أتاكم عذاب الله الذي نزل بمن كان من أقوام الرسل قبلكم ، كالريح الصرصر العاتية ، والصاعقة أو الرجفة القاضية ، ومياه الطوفان المغرقة ، وحرارة الظلة المحرقة ، أو أتتكم الساعة بمقدمات أهوالها ، أو ما يلي البعث من خزيها ونكالها ، أغير الله في هذه الحالة تدعون ؟ أم إلى غيره فيها تجأرون ؟ إن كنتم صادقين في دعواكم ألوهية هؤلاء الشركاء الذين اتخذتموهم أولياء ، وزعمتم أنهم فيكم شفعاء .أو إن كان من شأنكم الصدق فأخبروني أغير الله تدعون إذا أتاكم أحد هذين الأمرين ، اللذين يحلو دونهما طعم الأمرين ؟ وذهب بعض المفسرين إلى كون متعلق الاستخبار محذوف تقديره أخبروني إن أتاكم ما ذكر من تدعون لكشفه ؟ أتخصون غير الله بالدعاء كما هو شأنكم في وقت الرخاء ؟ أم تخصونه وحده بالدعاء ، وتنسون ما اتخذتم من الشركاء ، إذ يضل عنكم من ترجون من الشفعاء ؟ ثم أجاب تعالى عنهم ، مخبرا إياهم عما تقتضيه فطرتهم .فقال:{ بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون ( 41 )}
ومن مباحث اختلاف الأداء في القراءة أن نافعا قرأ – أرأيت وأرأيتم – بكاف وبغير كاف ، في جميع القرآن بتسهيل الهمزة الثانية بأن جعلها بين الهمزة والألف ، وقرأ الكسائي بحذفها .والباقون بإثباتها ، وهي لغات للعرب معروفة ، ومن شواهد حذف الهمزة ( سل بني إسرائيل ) أصلها:اسأل .ومنها في الشعر:
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا
أصله فألبسوني .