/م62
وأما البشرى التي زفها إليهم فهي قوله:{ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ} البشرى الخبر السار الذي تنبسط به بشرة الوجه فيتهلل وتبرق أساريره .وهذه البشرى مبينة في مواضع من كتاب الله تعالى ، وقد يراد متعلقها الذي يبشرون به ، ولم يذكر هنا ليشمل كل ما بشروا به في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، فأما البشرى في الحياة الدنيا فأهمها البشارة بالنصر ، وبحسن العاقبة في كل أمر ، وباستخلافهم في الأرض ، ما أقاموا شرع الله و سننه ، ونصروا دينه وأعلوا كلمته ، وأما في الآخرة فمن أكملها وأجمعها لمعاني الآية لأكملهم قوله:{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا ولَا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الْآخِرَةِ ولَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ ولَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [ فصلت:30 32] .
المشهور في تنزل الملائكة عليهم أنه يكون عند البعث ، وكذا عند الموت ، ولا مانع من شموله لما في الدنيا من تثبيت قلوبهم ، وتقوية إلهام الحق والخير فيهم ، كما قال تعالى في الملائكة الذين أمد بهم أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر:{ وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن به قلوبكم} [ الأنفال:10] الآية ثم قال:{ إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا} [ الأنفال:12] ، وقد يكون منه إلهام الحق والخير كما ورد في حديث ابن مسعود مرفوعا عند الترمذي والنسائي:"إن الشيطان لمة بابن آدم ، وللملك لمة ، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق ، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق ، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ".{[1728]}
{ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ} أي لا تغيير ولا خلف في مواعيد الله عز وجل ، ومنها هذه البشارات وما في معناها من الآيات .
{ ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي ذلك الذي ذكر من البشرى بسعادة الدارين هو الفوز العظيم الذي لا يعلوه فوز ، وإنما هو ثمرة الإيمان لحق ، والتقوى العامة في حقوق الله وحقوق الخلق .
/خ64