/م44
ثم جاء بمثال من هذه الأحكام فقال:{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} أي وفرضنا على بني إسرائيل من العقوبات في التوراة أن النفس تؤخذ أو تقتل بالنفس إذا قتلت عمدا بغير حق ، وقدر الجمهور مقتولة أو مقتصة بها ، والعين تفقأ بالعين ، والأنف يجدع بالأنف ، والأذن تصلم بالأذن ، والسن تقلع بالسن ، أي أن هذه الأعضاء والجوارح المتماثلة هي كالنفس في كون جزاء المتعدي على شيء منها مثل ما فعل ، لأنه هو العدل .وقد قرأ الكسائي العين والأنف والأذن والسن بالرفع .أي وكذلك العين بالعين الخ – ولهم في إعرابها عدة وجوه وقرأ الجمهور بالنصب ، عطفا على النفس .
{ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} قرأ الكسائي الجروح بالرفع أيضا ، والجمهور بالنصب ، أي ذوات قصاص ، تعتبر في جزائها المساواة بقدر الاستطاعة{ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} أي فمن تصدق بما ثبت له من حق القصاص بأن عفا عن الجاني فهذا التصديق كفارة له يكفر الله بها ذنوبه ويعفو عنه كما عفا عن أخيه .{ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وكل من كان بصدد الحكم في شيء من هذه الجنايات فأعرض عما أنزل الله من القصاص المبني على قاعدة العدل والمساواة بين الناس ، وحكم بهواه أو بحكم غير حكم الله فضله عليه ، فهو من الظالمين حتما .إذ الخروج عن القصاص لا يكون إلا بتفضيل أحد الخصمين على الآخر ، وهضم حق المفضل عليه وظلمه .
أما مصداق هذا القصاص من التوراة التي في الأيدي فهو في الفصل الحادي والعشرين من سفر الخروج ، ففيه بعد عدة ذنوب توجب القتل ما نصه:( 23 وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس 24 ، وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل 25 ، وكيا بكي وجرحا بجرح ورضا برض ) يوضحه قوله في الفصل24 من سفر اللاويين ( 17 ، وإذا أمات أحد إنسانا فإنه يقتل 18 ، ومن أمات بهيمة يعوض عنها نفسا بنفس ، 19 وإذا أحدث إنسان في قريبه عيبا فكما فعل كذلك يفعل به ، 20 كسر بكسر وعين بعين وسن بسن ، كما أحدث عيبا في الإنسان كذلك يحدث فيه ) فصرح بعموم القصاص بالمثل فدخل فيه الأذن والأنف .وأما العفو فلا أذكر له نقلا عن التوراة ، وإنما جاء في وعظ المسيح على الجبل من إنجيل متى أنه ذكر مسألة العين بالعين والسن بالسن ، ووصى بأن لا يقاوم الشر بالشر ، وهو أمر بالعفو ، ولكن الذين يدعون اتباعه في هذا العصر هم أشد أهل الأرض انتقاما ومقاومة للشر بأضعافه إلا قليل من الأفراد ، الذين أخفاهم الزمان في زوايا بعض البلاد .
/خ47