/م82
ويبدأ الجزء السابع بقوله عز وجل:{ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق}
{ وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} أي وإذا سمع أولئك الذين قالوا إنا نصارى ما أنزل إلى الرسول الكامل-محمد صلى الله عليه وسلم – الذي أكمل به الدين ، وبعث رحمة للعالمين ، ترى أيها الناظر إليهم أعينهم تفيض من الدمع ، أي تمتلئ دمعا حتى يتدفق الدمع من جوانبها لكثرته ، أو حتى كأن الأعين ذابت وصارت دمعا جاريا ، ذلك من أجل ما عرفوه من الحق الذي بينه لهم القرآن ، ولم يمنعهم من الإذعان والخشوع له ما منع غيرهم من العتو والاستكبار .فقوله «من الحق » بيان لقوله «مما عرفوا » وقيل إن من فيه للتبعيض ، أي أن أعينهم فاضت عبرة ودموعا ، عبرة منهم وخشوعا ، لمعرفتهم بعض الحق ، إذ سمعوا بعض الآيات دون البعض ، فكيف لو عرفوا الحق كله بسماع جميع القرآن ومعرفة ما جاءت به السنة منالأسوة الحسنة والبيان ، وهذا القول إنما يصح بتطبيقه على واقعة معنية كالذي تسمع في النجاشي وجماعته .وأما ظاهر الجملة الشرطية فهو بيان ما يكون من شأنهم عند سماع القرآن ، وهو العبرة والاستعبار ، والدموع الغزار .
ثم بين تعالى ما يكون من مقالهم ، بعد بيان ما يكون من حالهم ، فقال{ يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ( 83 )} أي يقولون هذا القول يريدون به إنشاء الإيمان ، والتضرع إلى الله تعالى بأن يقبله منهم ويكتبهم مع أمة محمد عليه الصلاة والسلام ، الذين جعلهم الله تعالى كالرسل شهداء على الناس ، وإنما يقولون ذلك لأنهم كانوا يعلمون من كتبهم ، أو مما يتناقلونه عن سلفهم ، أن النبي الأخير الذي يكمل الله به الدين يكون متبعوه شهداء على الناس ، أو المعنى أنهم بدخولهم في هذه الأمة يكتبون من الشاهدين ، فذكر الله الأمة بأشرف أوصافها .قال ابن عباس رضي الله عنه:إن الشاهدين هنا هم الشهداء في قوله تعالى:{ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} [ البقرة:143] وروي عنه أنه قال:هم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته ، أنهم شهدوا أنه قد بلغ ، وإن الرسول قال:قد بلغت ، كأنه يقول:إن الشهادة للرسل تستلزم الشهادة على من خالفهم ، وإلا كان هذا التفسير غير ظاهر ، لأن الشهادة على المرء ضد الشهادة له .والحق أن الشهادة هنا يراد بها أن هذه الأمة تشهد على الأمم يوم القيامة وتكون حجة على المشركين والمبطلين بكونها مظهرا لدين الله الحق الذي جحدوه أو ضلوا عنه .وقد حققنا القول في بيان معنى الشهداء في تفسير سورة النساء والسورتين قبلها ؛ فليراجع تفسير 4:68{ ومن يطع الله والرسول} [ النساء:68] في ( ج5تفسير ) .
/خ85