/م11
{ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِم}
أي فلا أدع جهة من جهاتهم الأربع إلا وأهاجمهم منها ، وهذه جهات معنوية كما أن الصراط الذي يريد إضلالهم عنه معنوي ، وقد تقدم في تفسير قوله تعالى:{ وإن صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} ( الأنعام 153 ) الآية ما يوضح ما هنا وفسر في الآثار بالإسلام وبطريقي الهجرة والجهاد لصده عنهما{ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِين} لنعمك عليهم في عقولهم ومشاعرهم وجوارحهم ومعايشهم وما يهديهم إلى تكميل فطرتهم من تعاليم رسلك لهم ، أي لا يكون الشكر التام الممكن صفة لازمة لأكثرهم بل للأقلين منهم ، قيل إنه قال هذا عن ظن فأصاب لقوله تعالى:{ ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين} ( سبأ 20 ) وقيل عن علم بالدلائل لا بالغيب والدلائل النظرية غير القطعية ظنون وتقدم تعريف الشكر في تفسير آية{ ولقد خلقناكم} وهي فاتحة هذا السياق .
روي عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير الأربع قال: "ثم لآتينهم من بين أيديهم "قال:أشككهم في آخرتهم"ومن خلفهم "فأرغبهم في دنياهم"وعن أيمانهم "أشبه عليه أمر دينهم"وعن شمائلهم "استن لهم المعاصي"ولا تجد أكثرهم شاكرين "قال موحدين فسر الشكر بأصل أصوله ومنبت جميع فروعه وهو توحيد الربوبية والألوهية الذي هو منتهى الكمال في معرفته تعالى ، وفي رواية أخرى عنه:من بين أيديهم من قبل الدنيا ومن خلفهم من قبل الآخرة وعن أيمانهم من قبل حسناتهم وعن شمائلهم من جهة سيئاتهم وهي إنما تخالف الأولى في تفسير ما بين الأيدي والخلف ، ومخالفة تناقض في اللفظ ، والمراد واحد ، وهو هل المراد فيما بين الأيدي ما هو حاضر أو ما هو مستقبل ، وهل المراد بالخلف ما يتركه المرء ويتخلف عنه وهو الدنيا أم ما هو وراء حياته الحاضرة وهو الآخرة ؟ اللفظ يحتمل التأويلين .
وعنه:لم يستطع أن يقول من فوقهم .علم أن الله فوقهم .وفي لفظ:لأن الرحمة تنزل من فوقهم ، وعن مجاهد وقتادة ما هو بمعنى ما ذكر مع تفصيل ما كما في الدر المنثور وهما من تلاميذه ( رض ) .والفوقية معنوية كغيرها ، وإثبات العلو والفوقية لله تعالى تنطق به الآيات والأحاديث الصحيحة ومن صفاته ( العلي ) فنؤمن به مع تنزيهه تعالى عما لا يليق به صفات خلقه جميعا وقد شرحناه من قبل بما أثبتنا به مذهب السلف فيه ، وفي رواية عن مجاهد من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث يبصرون ، ومن خلفهم وعن شمائلهم حيث لا يبصرون ، وحاصل المعنى كما قال ابن جرير:جميع طرق الخير والشر ، فالخير يصدهم عنه والشر يحسنه لهم ، وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر قال:لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات"اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي "{[1129]} .