{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ 28 قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ 29 فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُون 30}
هذا بيان لبعض آثار ولاية الشياطين للذين لا يؤمنون ، أي أنهم يطيعونهم في إغوائهم في أقبح الأشياء ولا يشعرون بقبحها .
{ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بها} قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الجملة:وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله الذين جعل الله لهم الشياطين أولياء قبيحا من الفعل وهو الفاحشة وذلك تعريهم للطواف بالبيت وتجردهم له فعذلوا على ما أتوا من قبيح فعلهم وعوتبوا عليه قالوا:وجدنا على مثل ما نفعل آباءنا فنحن نفعل مثل ما كانوا يفعلون ونقتدي بهم ونستن بسنتهم والله أمرنا به فنحن نتبع أمره فيه اه والفاحشة كل ما عظم قبحه وفسرها هو وغيره هنا بطواف أهل الجاهلية عراة لأن المسلمين لما كانوا يعذلونهم ويقبحون فعلتهم هذه كانوا يجيبون بهذا الجواب ، ومما رواه في ذلك قول مجاهد:كانوا يطوفون بالبيت عراة يقولون نطوف كما ولدتنا أمهاتنا فتضع المرأة على قبلها النسعة ( أي القطعة من سيور الجلد ) أو الشيء فتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله *** وما بدا منه فلا أحله{[1139]}
وقد تقدم ذكر هذه الفعلة الفاحشة وما روي من شبهتهم الشيطانية عليها وهي أنهم لا يطوفون ببيت ربهم في ثياب عصوه بها وبينا فساد هذا القول .
فأما اعتذارهم بالتقليد فقد رده الكتاب العزيز في مواضع تقدم بعضها في سورتي البقرة والمائدة ، وقال مفسرو المتكلمين كالزمخشري والبيضاوي والرازي إنه تعالى لم يجب عن هذه الحجة وهي محض التقليد لما تقرر في العقول من أنه طريقة فاسدة ، لأن التقليد حاصل في الأديان المتناقضة فلو كان حقا لزم القول بحقية الأديان المتناقضة وهو محال .فلما كان فساد هذا الطريق ظاهرا لم يذكر الله تعالى الجواب عنه ، وهذا تقرير الرازي ، وقوله بفساد التقليد وكونه حجة داحضة في نظر العقول السليمة صحيح ، ولكن زعمه أن هذا سبب لعدم الرد غير صحيح فقد رد تعالى عليهم بمثل قوله:{ أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} ( البقرة 170 ) والصواب أنه استغنى عن الرد الصحيح هنا برد ما اقترن به المتضمن للرد عليه وبيان بطلانه ، وهو زعمهم أن الله تعالى أمرهم بتلك الفحشاء التي وجدوا عليها آباءهم فقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يدحضه بقوله لهم:
{ قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُون} فهذا القول تكذيب لهم من طريقي العقل والنقل ، أما الأول فتقريره أن هذا الفعل لا خلاف بينكم وبيننا في أنه من الفحشاء أي أقبح القبائح والله تعالى منزه بكماله المطلق الذي لا شائبة للنقص فيه أن يأمر بالفحشاء ، وإنما الذي أمر بها هو الشيطان الذي هو مجمع النقائص كما قال تعالى في آية أخرى{ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} ( البقرة 268 ) وهذا حجة على من ينكر الحسن والقبح العقلي في الأحكام الشرعية لأجل مخالفة من توسعوا في تحكيم العقل في ذلك ، وأما طريق النقل فهو أن ما يسند إلى الله تعالى من أمر ونهي لا يثبت بمجرد الدعوى بل يجب أن يعلم بوحي منه تعالى إلى رسول من عنده ثبتت رسالته بتأييده تعالى له بالآيات البينات ، فالاستفهام في قوله تعالى:
{ أتقولون على الله ما لا تعلمون} للإنكار المتضمن للتوبيخ وللرد على المقلدين فإنهم باتباع آبائهم وأجدادهم وشيوخهم في آرائهم وأعمالهم الدينية غير المسندة إلى الوحي الإلهي يقولون على الله ما لا يعلمون أنه شرعه لعباده .