المفردات:
فعلوا فاحشة: أتوا فعلة متناهية في القبح .
التفسير:
وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها ...الآية .
كانت العرب تطوف بالبيت عراة ،يتأولون في ذلك: أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها .
وربما كانت المرأة تطوف عريانة فتجعل على فرجها شيئا ؛ليستره بعض الستر ،وأكثر ما كان النساء يطفن عراة ليلا ،وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم ،واتبعوا فيه آباءهم ،ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله ؛فأنكر الله عليهم ذلك ( 39 ) .
ومع هذا السبب الخاص فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
ومعنى الآية الكريمة:
إن المشركين كانوا يرتكبون الكبائر ،والقبائح التي نهى الله عنها ،كالشرك بالله ،والطواف بالكعبة عريا وغير ذلك ،وليس بين أيديهم من حجة على هذا الذي هم فيه إلا أن ذلك مما كان عليه آباؤهم ،وأنهم على آثارهم مقتدون ،وأن آباؤهم لم يجيئوا بهذا من عند أنفسهم ،بل هو مما شرع الله لهم ،هكذا يقولون وهكذا يفترون .
قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون .
أمر الله الناس بالآداب ومكارم الأخلاق ،وحثهم على الإيمان بالله وصلة الرحم وإكرام الجار ورحمة اليتيم ،ونهى الله عن الفحشاء والمنكر والزنا والربا والإفساد في الأرض .
قال أبو السعود: فإن عادته تعالى جارية على الأمر بمحاسن الأعمال ،والحث على مراضي الخصال .
والمراد بالفاحشة: ما ينفر عنه الطبع السليم ،ويستنقصه العقل المستقيم .
والفاحشة في حد ذاتها تجاوز لحدود الله ،وانتهاك لحرماته ،فهل من المعقول أن يأمر الله بانتهاك حدوده وحرماته .
أي: قل لهم يا محمد: إن كلامكم هذا يناقضه العقل والنقل ،أما أن العقل يناقضه ويكذبه ؛فما تفعلونه هذا من أكبر الكبائر ،ولا خلاف بيننا وبينكم في ذلك ،بدليل أن بعضكم قد تنزه عنه .
ثم إن الله كامل كمالا مطلقا ،والكامل لا يصدر عنه الأمر بالنقص والعيب ،وأما أن النقل يناقضه ويكذبه ؛فلأنه لم يثبت عن طريق الوحي أن الله أمر بهذا ،بل الثابت أن الله لا يأمر به قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أي: فكيف تدعون ذلك عليه سبحانه .
أتقولون على الله ما لا تعلمون .وفيه نهى عن ذلك وإنكار عليهم ،وتوبيخ لهم ،فإن القول بالجهل إذا كان قبيحا في كل شيء فكيف إذا كان في التقول على الله ؟!