المفردات:
لا يفتننكم: لايضلنكم ولا يخدعنكم .
ينزع عنهما: يزيل عنهما استلابا بخداعه .
قبيله: جنوده أو ذريته .
أولياء: ناصرين ومتولين جمع ولي .
التفسير:
لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ...الآية .
يستمر الدستور الإلهي في توصية الإنسان وتنبيهه وتحذيره .
فهناك عداوة أبدية بين الإنسان والشيطان ،والعاقل يكون حذرا من عدوه فالحرب خدعه ،والشيطان يجهز جيوشه وأعوانه ؛لينتصر على الإنسان وذلك بتجميل المعاصي والشهوات .
قال الأستاذ عبد الكريم الخطيب في التفسير القرآني للقرآن ج 8 ص 386:
يحذر الله أبناء آدم من هذا العدو المبين المتربص بهم ؛حتى يكونوا على يقظة دائمة من أباطيله وضلالاته ،التي يغريهم بها ،ويزينها لهم ،ليفتنهم في دينهم ،وليخرجهم من الإيمان بالله ،والاستقامة على طاعته إلى معصيته والتعدي على جرماته .
ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما ...
لقد حذر الله بني آدم من الشيطان ؛حتى لا يعيد معهم سيرته مع أبويهم ،اللذين أخرجهما من الجنة حال كونه نازعا عنهما لباسهما ؛ليريهما سوءاتهما .
وأسند القرآن النزع إلى الشيطان ؛لأنه كان متسببا فيه .
قال الشوكاني:
أوقعهما في المعصية التي كانت عقوبتهما ظهور ما كان خافيا عنهما من السوأة .
وقد عبر القرآن بالمضارع هنا ؛لإظهار صورة الأبوين عاريين في غاية الخجل والأسى ؛حتى يحذر الإنسان هذه العاقبة .
إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم .
إن العدو إذا أتى من حيث لا يرى ؛كان أشد وأخوف ،فالشيطان عدو خفي يرى الإنسان ،ويرصد حركاته وسكناته ،ويطلع منه على مواطن الضعف فينفذ إليه منها ،ومن هنا كان خطره داهما ،وشره مستطيرا ،ومن هنا كانت حاجة الإنسان إلى اليقظة الدائمة والمراقبة المستمرة لهذا العدو الخفي المتربص .
قال مالك بن دينار: إن عدوا يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلا على من عصمه الله .
والمقصود: التحذير من وساوس الشيطان وحيله .
إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون .
اقتضت حكمة الله تعالى ،أن من عصى الله واستمرأ المعصية ؛قيض الله له شيطانا يقارنه ويلازمه ،ويكون العاصي والكافر قرينا وتابعا للشيطان ،بينما المؤمن ينفى شيطانه ويجهده ؛لأنه لا يطيع له أمرا .
قال تعالى: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون .( الأعراف: 201 ) .
وقال سبحانه وتعالى: ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين .( الزخرف: 36 ) .
والقرآن بهذا يظل كتاب التربية الحانية ،التي تفتح عين الإنسان وتبصره .
فهداية الله غالية سامية ،ومن انحرف عن الجادة واستمرأ المعصية ؛سلب الله عنه الهدى والتوفيق ،وتركه حائرا ضائعا قرينا للشيطان ووليا لإبليس وذريته .إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون .
ومن أطاع الله ،ولازم هدى السماء ،كشف الله بصيرته وأمده بعونه ومدده فلا سلطان للشيطان عليه قال تعالى: إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون .( النحل: 99 ، 100 ) .