/م107
{ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} الريبة اسم من الريب ، وهو ما تضطرب فيه النفس ، ويتردد الوهم ويسوء الظن ، فيكون صاحبه منه في شك وحيرة إن لم يكن مثاره الشك .قال قوم صالح عليه السلام له ، منكرين دعوته إياهم إلى عبادة الله وحده:{ وإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [ هود:62] ، ولهذا الاستعمال أمثال في التنزيل ، وهو صريح في أن الشك مثار للريب وموقع فيه لا أنه عينه ، وقد يفسر به باعتبار لزومه له وإيقاعه فيه .قال الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت وقد رابني منها الغداة سفورُها{[1644]}
والظاهر أن ارتيابهم فيه كان منذ بنوه على أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدمه فهدم ، وذلك أنهم لسوء نيتهم في بنائه كانوا يخافون أن يطلع الله رسوله على مقاصدهم السوءى فيه ، وكان ذلك شأن سائر إخوانهم كما تقدم في قوله تعالى:{ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم} [ التوبة:64] وذكرنا في تفسيرها قوله تعالى:{ يحسبون كل صحية عليهم} [ المنافقون:4] ( ج 10 ) وأجدر بهم أن يكونوا بعد هدمه أشد ارتيابا ، وأكثر اضطرابا ، بما يحذرون من عقابهم في الدنيا كما أنذرتهم هذه السورة مرارا ، وأن يستمر ذلك ملازما لهم .
{ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} قرأ ابن عامر وحفص عن نافع وحمزة ( تقطع ) بفتح التاء وتشديد الطاء من التقطع ، وقرأ الباقون بضم التاء من التقطيع ، أي إلا أن تقطع الريبة قلوبهم أفلاذا ، فتتقطع بها وتكون جذاذا ، وقرأ يعقوب ( إلى ) بدل ( إلا ) وفسر ذلك بالموت والهلاك ، وبالحسرة والندم المقتضي للتوبة ، وقال الزمخشري وتبعه معتادو الأخذ عنه:لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم ، لا يزول وسمه عن قلوبهم ، ولا يضمحل أثره ( إلا أن تقطع قلوبهم ) قطعا ، وتفرّق أجزاء ، فحينئذ يسلون عنه ، وأما ما دامت سالمة مجتمعة ، فالريبة باقية فيها متمكنة ، فيجوز أن يكون ذكر التقطع تصويرا لحال زوال الريبة عنهم ، ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم ، أو في القبور أو في النار .وقيل معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم اه .
{ واللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فحكم في أمرهم وبين من حالهم ما اقتضته الحكمة والعلم المحيط بكل شيء .