/م91
{ ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه} هذا معطوف على نفي الحرج عن الضعفاء والمرضى والفقراء ونفي السبيل عن المحسنين ، أي لا حرج على من ذكر بشرطه ، ولا سبيل على المحسن منهم في قعوده ، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم على الرواحل فيخرجوا معك فلم تجد ما تحملهم عليه الخ ، وهؤلاء جماعة من الفقراء يدخلون في عموم الذين لا يجدون ما ينفقون للجهاد في سفر طويل كغزوة تبوك وهو فقدهم الرواحل التي تحملهم ، فهو من عطف الخاص على العام .يقال:حمله على البعير أو غيره أي أركبه إياه أو أعطاه إياه ليركبه ، وكان الطالب لظهر يركبه يقول لمن يطلبه منه:احملني .
ثم بين حال هؤلاء بعد جواب الرسول لهم بياناً مستأنفاً فقال:
{ تولوا وأعينهم تفيض من الدمع} أي انصرفوا من مجلسك وهم في حال بكاء شديد ، هاجه حزن عميق .فكانت أعينهم تمتلئ دمعاً ، فيتدفق فائضا من جوانبها تدفقاً ، حتى كأنها ذابت فصارت دمعاً ، فسالت همعاً{ حزنا} منهم وأسفاً .
{ ألا يجدوا ما ينفقون} أي على عدم وجدانهم عندك ولا عندهم ما ينفقون ولا ما يركبون في خروجهم معك جهاداً في سبيل الله وابتغاء مرضاته .
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال:أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أن ينبعثوا غازين .فجاءت عصابة من أصحابه فيهم عبد الله بن مغفل المزني فقالوا:يا رسول الله احملنا ، فقال:( والله لا أجد ما أحملكم عليه ) ، فتولوا ولهم بكاء ، وعز عليهم أن يحبسوا عن الجهاد ، ولا يجدون نفقة ولا محملاً .فأنزل الله عذرهم:{ ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية .
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب قال:جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه فقال:( لا أجد ما أحملكم عليه ) ، فأنزل الله{ ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم} الآية .وذكر البطون التي ينسبون إليها ، وهنالك روايات أخرى في عددهم وبطونهم عند ابن إسحاق وغيره .وأنهم كانوا يسمون البكائين .
وهنالك رواية أخرى أنهم ما سألوه صلى الله عليه وسلم إلا الحملان على النعال ، ورواية أخرى أنهم سألوه الزاد والماء ، ولا مانع من وقوع كل ذلك في هذه الغزوة الكبيرة ، ولكن الآية خاصة بطلاب الرواحل ؛ لأنه هو المتبادر من اللفظ .
والحكمة في التعبير بالإتيان لأجل الحمل والاعتذار عنه بعدم وجدان ما يحمل عليه دونه ذكر جنسه من راحلة ودابة هي إفادة العموم فيما يحمل عليه مريد السير ، فتدخل فيه مراكب هذا الزمان من مراكب النقل البرية والهوائية والبحرية ، ويتحقق العذر بفقد ما يحتاج إليه منها في كل سفر بحسبه ، وفقد العذر بوجوده ، فوجود الخيل والجمال والبغال لا ينفي العذر في السفر الذي يقطع في القطارات الحديدية أو السيارات أو المناطيد أو الطيارات .
/خ93