/م91
لما بين أن كل أولئك ما عليهم من سبيل بقي بيان من عليهم السبيل في تلك الحال فذكرهم بقوله:{ إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء} الواضح السوي الموصل إلى المؤاخذة والمعاقبة بالحق .
{ على الذين يستأذنونك وهم أغنياء} أي يطلبون الإذن لهم في القعود والتخلف عن النفر ، والحال أنهم أغنياء في حال هذا لاستئذان ومن قبله ، قادرون على إعداد العدة له من زاد ورواحل وغير ذلك ، ولماذا ؟
{ رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} أي رضوا لأنفسهم بأن يكونوا مع الخوالف والخالفين ، من النساء والأطفال والمعذورين ، بل مع الفاسدي الأخلاق المفسدين .
{ وطبع الله على قلوبهم} فأحاط بهم ما جروا عليه من خطاياهم وذنوبهم ، بحسب سنن الله تعالى في أمثالهم .
{ فهم لا يعلمون} كنه حالهم ، ولا سوء مآلهم ، وما هو سببه من أعمالهم .
فأما حالهم في التخلف وطلب القعود مع الخوالف بغير أدنى عذر فهو رضا بالذل والمهانة في الدنيا ، لأن تخلف الأفراد عن القتال الذي تقوم به الشعوب والأقوام ، ورضاء الرجال الانتظام في سلك النساء والأطفال ، يعد في عرف العرب والعجم من أعظم مظاهر الخزي والعار ، وهو في حكم الإسلام أقوى آيات الكفر والنفاق .
وأما مآلهم وسوء عاقبتهم فيه فهو ما فضحهم الله به في هذه السورة ، وما شرعه لرسوله وللمؤمنين من جهادهم وإهانتهم ، وعدم العود إلى معاملتهم بظاهر إسلامهم ، وما عده لهم من العذاب الأليم ، والخزي الدائم في نار الجحيم .
/خ93
نسأله تعالى أن يجعلنا من العلماء الموقنين ، الفقهاء المعتبرين ، المؤمنين الصادقين ، العاملين المخلصين .وأن يوفقنا لإتمام تفسير كتابه بالحق ، النافع للخلق ، ويهدينا جميعاً للعمل به ، والاستضاءة بنوره ، ويؤتي هذه الأمة به ما وعدها من سعادة الدنيا والآخرة ، وهو على كل شيء قدير .
تم تفسير الجزء العاشر كتابة وتحريراً في العشر الأول من شهر رمضان المبارك سنة 1349 ، وقد اعتمدنا جعل آية 93{ إنما السبيل} الخ منه مراعاة للمعنى الذي كانت به متممة لما قبلها ، وهي في بعض المصاحف أول الجزء الحادي عشر .
وكنا بدأنا به في شوال سنة 1346 ، ونشر في المجلدات التاسع والعشرين والثلاثين والحادي والثلاثين من المنار .
ونرجو أن يوفقنا الله تعالى لإنجاز تفسير كل جزء مما بقي في أقل من سنة مع الاختصار غير المخل إن شاء الله تعالى وبه الحول والقوة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .