وقد أنكر [ الله] تعالى على من حرم ما أحل الله ، أو أحل ما حرم بمجرد الآراء والأهواء ، التي لا مستند لها ولا دليل عليها . ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة ، فقال:( وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة ) أي:ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة .
وقوله:( إن الله لذو فضل على الناس ) قال ابن جرير:في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدنيا .
قلت:ويحتمل أن يكون المراد:لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في الدنيا ، ولم يحرم عليهم إلا ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم .
( ولكن أكثرهم لا يشكرون ) بل يحرمون ما أنعم الله [ به] عليهم ، ويضيقون على أنفسهم ، فيجعلون بعضا حلالا وبعضا حراما . وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم ، وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم . وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية:حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا رباح ، حدثنا عبد الله بن سليمان ، حدثنا موسى بن الصباح في قول الله عز وجل:( إن الله لذو فضل على الناس ) قال:إذا كان يوم القيامة ، يؤتى بأهل ولاية الله عز وجل ، فيقومون بين يدي الله عز وجل ثلاثة أصناف قال:فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول:عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول:يا رب:خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها ، وحورها ونعيمها ، وما أعددت لأهل طاعتك فيها ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليها . قال:فيقول الله تعالى:عبدي ، إنما عملت للجنة ، هذه الجنة فادخلها ، ومن فضلي عليك أن أعتقتك من النار ، [ ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي] قال:فيدخل هو ومن معه الجنة .
قال:ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني ، قال:فيقول:عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول:يا رب ، خلقت نارا وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها ، وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفا منها . فيقول:عبدي ، إنما عملت ذلك خوفا من ناري ، فإني قد أعتقتك من النار ، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي . فيدخل هو ومن معه الجنة .
ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث ، فيقول:عبدي ، لماذا عملت ؟ فيقول:رب حبا لك ، وشوقا إليك ، وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليك وحبا لك ، فيقول تبارك وتعالى:عبدي ، إنما عملت حبا لي وشوقا إلي ، فيتجلى له الرب جل جلاله ، ويقول:ها أنا ذا ، انظر إلي ثم يقول:من فضلي عليك أن أعتقك من النار ، وأبيحك جنتي ، وأزيرك ملائكتي ، وأسلم عليك بنفسي . فيدخل هو ومن معه الجنة .