لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم ، شرع يذكرهم - أيضا - بما أسبغ عليهم من النعم ، فقال:( وظللنا عليكم الغمام ) وهو جمع غمامة ، سمي بذلك لأنه يغم السماء ، أي:يواريها ويسترها . وهو السحاب الأبيض ، ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس . كما رواه النسائي وغيره عن ابن عباس في حديث الفتون ، قال:ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام .
قال ابن أبي حاتم:وروي عن ابن عمر ، والربيع بن أنس ، وأبي مجلز ، والضحاك ، والسدي ، نحو قول ابن عباس .
وقال الحسن وقتادة:( وظللنا عليكم الغمام ) [ قال] كان هذا في البرية ظلل عليهم الغمام من الشمس .
وقال ابن جرير قال آخرون:وهو غمام أبرد من هذا ، وأطيب .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد:( وظللنا عليكم الغمام ) قال:ليس بالسحاب ، هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة ، ولم يكن إلا لهم .
وهكذا رواه ابن جرير ، عن المثنى بن إبراهيم ، عن أبي حذيفة .
وكذا رواه الثوري ، وغيره ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وكأنه يريد ، والله أعلم ، أنه ليس من زي هذا السحاب ، بل أحسن منه وأطيب وأبهى منظرا ، كما قال سنيد في تفسيره عن حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال:قال ابن عباس:( وظللنا عليكم الغمام ) قال:غمام أبرد من هذا وأطيب ، وهو الذي يأتي الله فيه في قوله:( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) [ البقرة:210] وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر . قال ابن عباس:وكان معهم في التيه .
وقوله:( وأنزلنا عليكم المن ) اختلفت عبارات المفسرين في المن:ما هو ؟ فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:كان المن ينزل عليهم على الأشجار ، فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا .
وقال مجاهد:المن:صمغة . وقال عكرمة:المن:شيء أنزله الله عليهم مثل الطل ، شبه الرب الغليظ .
وقال السدي:قالوا:يا موسى ، كيف لنا بما هاهنا ؟ أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن ، فكان يسقط على شجر الزنجبيل .
وقال قتادة:كان المن ينزل عليهم في محلتهم سقوط الثلج ، أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، يأخذ الرجل منهم قدر ما يكفيه يومه ذلك ؛ فإذا تعدى ذلك فسد ولم يبق ، حتى إذا كان يوم سادسه ، ليوم جمعته ، أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ؛ لأنه كان يوم عيد لا يشخص فيه لأمر معيشته ولا يطلبه لشيء ، وهذا كله في البرية .
وقال الربيع بن أنس:المن شراب كان ينزل عليهم مثل العسل ، فيمزجونه بالماء ثم يشربونه .
وقال وهب بن منبه - وسئل عن المن - فقال:خبز الرقاق مثل الذرة أو مثل النقي .
وقال أبو جعفر بن جرير:حدثني أحمد بن إسحاق ، حدثنا أبو أحمد ، حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر وهو الشعبي ، قال:عسلكم هذا جزء من سبعين جزءا من المن .
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:إنه العسل .
ووقع في شعر أمية بن أبي الصلت ، حيث قال:
فرأى الله أنهم بمضيع لا بذي مزرع ولا مثمورا فسناها عليهم غاديات
وترى مزنهم خلايا وخورا عسلا ناطفا وماء فراتا
وحليبا ذا بهجة مرمورا
فالناطف:هو السائل ، والحليب المرمور:الصافي منه .
والغرض أن عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن ، فمنهم من فسره بالطعام ، ومنهم من فسره بالشراب ، والظاهر ، والله أعلم ، أنه كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب ، وغير ذلك ، مما ليس لهم فيه عمل ولا كد ، فالمن المشهور إن أكل وحده كان طعاما وحلاوة ، وإن مزج مع الماء صار شرابا طيبا ، وإن ركب مع غيره صار نوعا آخر ، ولكن ليس هو المراد من الآية وحده ؛ والدليل على ذلك قول البخاري:
حدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن عبد الملك ، عن عمرو بن حريث عن سعيد بن زيد - رضي الله عنه - قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم:الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة ، عن عبد الملك ، وهو ابن عمير ، به .
وأخرجه الجماعة في كتبهم ، إلا أبا داود ، من طرق عن عبد الملك ، وهو ابن عمير ، به . وقال الترمذي:حسن صحيح ، ورواه البخاري ومسلم والنسائي من رواية الحكم ، عن الحسن العرني ، عن عمرو بن حريث ، به .
وقال الترمذي:حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر ومحمود بن غيلان ، قالا حدثنا سعيد بن عامر ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:العجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السم ، والكمأة من المن وماؤها شفاء للعين .
تفرد بإخراجه الترمذي ، ثم قال:هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن عمرو ، وإلا من حديث سعيد بن عامر ، عنه ، وفي الباب عن سعيد بن زيد ، وأبي سعيد وجابر .
كذا قال ، وقد رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره ، من طريق آخر ، عن أبي هريرة ، فقال:حدثنا أحمد بن الحسن بن أحمد البصري ، حدثنا أسلم بن سهل ، حدثنا القاسم بن عيسى ، حدثنا طلحة بن عبد الرحمن ، عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، وطلحة بن عبد الرحمن هذا سلمي واسطي ، يكنى بأبي محمد
، وقيل:أبو سليمان المؤدب قال فيه الحافظ أبو أحمد بن عدي:روى عن قتادة أشياء لا يتابع عليها .
ثم قال [ الترمذي] حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة:أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا:الكمأة جدري الأرض ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم:الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم .
وهذا الحديث قد رواه النسائي ، عن محمد بن بشار ، به . وعنه ، عن غندر ، عن شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي هريرة ، به . وعن محمد بن بشار ، عن عبد الأعلى ، عن خالد الحذاء ، عن شهر بن حوشب . بقصة الكمأة فقط .
وروى النسائي - أيضا - وابن ماجه من حديث محمد بن بشار ، عن أبي عبد الصمد عبد العزيز بن عبد الصمد ، عن مطر الوراق ، عن شهر:بقصة العجوة عند النسائي ، وبالقصتين عند ابن ماجه .
وهذه الطريق منقطعة بين شهر بن حوشب وأبي هريرة فإنه لم يسمعه منه ، بدليل ما رواه النسائي في الوليمة من سننه ، عن علي بن الحسين الدرهمي عن عبد الأعلى ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي هريرة ، قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يذكرون الكمأة ، وبعضهم يقول جدري الأرض ، فقال:الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .
وروي عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد وجابر ، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا أسباط بن محمد ، حدثنا الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن شهر بن حوشب ، عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري ، قالا قال 1 270
رسول الله صلى الله عليه وسلم:الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين والعجوة من الجنة وهي شفاء من السم .
قال النسائي في الوليمة أيضا:حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر جعفر بن إياس عن شهر بن حوشب ، عن أبي سعيد وجابر ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين . ثم رواه - أيضا - ، وابن ماجه من طرق ، عن الأعمش ، عن أبي بشر ، عن شهر ، عنهما ، به .
وقد رويا - أعني النسائي وابن ماجه - من حديث سعيد بن مسلم كلاهما عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، زاد النسائي:[ وحديث] جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .
ورواه ابن مردويه ، عن أحمد بن عثمان ، عن عباس الدوري ، عن لاحق بن صواب عن عمار بن رزيق عن الأعمش ، كابن ماجه .
وقال ابن مردويه أيضا:حدثنا أحمد بن عثمان ، حدثنا عباس الدوري ، حدثنا الحسن بن الربيع ، حدثنا أبو الأحوص ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي سعيد الخدري ، قال:خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كمآت ، فقال:الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .
وأخرجه النسائي ، عن عمرو بن منصور ، عن الحسن بن الربيع ثم [ رواه] ابن مردويه . رواه أيضا عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن سلام ، عن عبيد الله بن موسى ، عن شيبان عن الأعمش به ، وكذا رواه النسائي عن أحمد بن عثمان بن حكيم ، عن عبيد الله بن موسى [ به] .
وقد روى من حديث أنس بن مالك ، رضي الله عنه كما قال ابن مردويه:
حدثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم ، حدثنا حمدون بن أحمد ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا حماد ، عن شعيب بن الحبحاب عن أنس:أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تدارؤوا في الشجرة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ، فقال بعضهم:نحسبه الكمأة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة ، وفيها شفاء من السم .
وهذا الحديث محفوظ أصله من رواية حماد بن سلمة . وقد روى الترمذي والنسائي من طريقه شيئا من هذا ، والله أعلم .
[ وقد] روي عن شهر ، عن ابن عباس ، كما رواه النسائي - أيضا - في الوليمة ، عن أبي بكر أحمد بن علي بن سعيد ، عن عبد الله بن عون الخراز ، عن أبي عبيدة الحداد ، عن عبد الجليل بن عطية ، عن شهر ، عن عبد الله بن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:الكمأة من المن ، وماؤها شفاء للعين .
فقد اختلف - كما ترى فيه - على شهر بن حوشب ، ويحتمل عندي أنه حفظه ورواه من هذه الطرق كلها ، وقد سمعه من بعض الصحابة وبلغه عن بعضهم ، فإن الأسانيد إليه جيدة ، وهو لا يتعمد الكذب ، وأصل الحديث محفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم من رواية سعيد بن زيد .
وأما السلوى فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:السلوى طائر شبيه بالسمانى ، كانوا يأكلون منه .
وقال السدي في خبر ذكره عن أبي مالك وعن أبي صالح ، عن ابن عباس - وعن مرة ، عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة:السلوى:طائر يشبه السمانى .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثنا قرة بن خالد ، عن جهضم ، عن ابن عباس ، قال:السلوى:هو السمانى .
وكذا قال مجاهد ، والشعبي ، والضحاك ، والحسن ، وعكرمة ، والربيع بن أنس ، رحمهم الله .
وعن عكرمة:أما السلوى فطير كطير يكون بالجنة أكبر من العصفور ، أو نحو ذلك .
وقال قتادة:السلوى من طير إلى الحمرة ، تحشرها عليهم الريح الجنوب . وكان الرجل يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك ، فإذا تعدى فسد ولم يبق عنده ، حتى إذا كان يوم سادسه ليوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه ؛ لأنه كان يوم عبادة لا يشخص فيه لشيء ولا يطلبه .
وقال وهب بن منبه:السلوى:طير سمين مثل الحمام ، كان يأتيهم فيأخذون منه من سبت إلى سبت . وفي رواية عن وهب ، قال:سألت بنو إسرائيل موسى عليه السلام ، اللحم ، فقال الله:لأطعمنهم من أقل لحم يعلم في الأرض ، فأرسل عليهم ريحا ، فأذرت عند مساكنهم السلوى ، وهو السمانى مثل ميل في ميل قيد رمح إلى السماء فخبئوا للغد فنتن اللحم وخنز الخبز .
وقال السدي:لما دخل بنو إسرائيل التيه ، قالوا لموسى ، عليه السلام:كيف لنا بما هاهنا ؟ أين الطعام ؟ فأنزل الله عليهم المن فكان يسقط على الشجر الزنجبيل ، والسلوى وهو طائر يشبه السمانى أكبر منه ، فكان يأتي أحدهم فينظر إلى الطير ، فإن كان سمينا ذبحه وإلا أرسله ، فإذا سمن أتاه ، فقالوا:هذا الطعام فأين الشراب ؟ فأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، فشرب كل سبط من عين ، فقالوا:هذا الشراب ، فأين الظل ؟ فظلل عليهم الغمام . فقالوا:هذا الظل ، فأين اللباس ؟ فكانت ثيابهم تطول معهم كما يطول الصبيان ، ولا ينخرق لهم ثوب ، فذلك قوله تعالى:( وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى ) وقوله ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم ) [ البقرة:60] .
وروي عن وهب بن منبه ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم نحو ما قاله السدي .
وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال:قال ابن عباس:خلق لهم في التيه ثياب لا تخرق ولا تدرن ، قال ابن جريج:فكان الرجل إذا أخذ من المن والسلوى فوق طعام يوم فسد ، إلا أنهم كانوا يأخذون في يوم الجمعة طعام يوم السبت فلا يصبح فاسدا .
[ قال ابن عطية:السلوى:طير بإجماع المفسرين ، وقد غلط الهذلي في قوله:إنه العسل ، وأنشد في ذلك مستشهدا:
وقاسمها بالله جهدا لأنتم ألذ من السلوى إذا ما أشورها
قال:فظن أن السلوى عسلا قال القرطبي:دعوى الإجماع لا تصح ؛ لأن المؤرج أحد علماء اللغة والتفسير قال:إنه العسل ، واستدل ببيت الهذلي هذا ، وذكر أنه كذلك في لغة كنانة ؛ لأنه يسلى به ومنه عين سلوان ، وقال الجوهري:السلوى العسل ، واستشهد ببيت الهذلي - أيضا - ، والسلوانة بالضم خرزة ، كانوا يقولون إذا صب عليها ماء المطر فشربها العاشق سلا قال الشاعر:
شربت على سلوانة ماء مزنة فلا وجديد العيش يا مي ما أسلو
واسم ذلك الماء السلوان ، وقال بعضهم:السلوان دواء يشفي الحزين فيسلو والأطباء يسمونه ( مفرج ) ، قالوا:والسلوى جمع بلفظ - الواحد - أيضا ، كما يقال:سمانى للمفرد والجمع وويلى كذلك ، وقال الخليل واحده سلواة ، وأنشد:
وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض السلواة من بلل القطر
وقال الكسائي:السلوى واحدة وجمعه سلاوي ، نقله كله القرطبي] .
وقوله تعالى:( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) أمر إباحة وإرشاد وامتنان . وقوله:( وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) [ البقرة:57] ، أي أمرناهم بالأكل مما رزقناهم وأن يعبدوا ، كما قال:( كلوا من رزق ربكم واشكروا له ) [ سبأ:15] فخالفوا وكفروا فظلموا أنفسهم ، هذا مع ما شاهدوه من الآيات البينات والمعجزات القاطعات ، وخوارق العادات ، ومن هاهنا تتبين فضيلة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم ، على سائر أصحاب الأنبياء في صبرهم وثباتهم وعدم تعنتهم ، كما كانوا معه في أسفاره وغزواته ، منها عام تبوك ، في ذلك القيظ والحر الشديد والجهد ، لم يسألوا خرق عادة ، ولا إيجاد أمر ، مع أن ذلك كان سهلا على الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن لما أجهدهم الجوع سألوه في تكثير طعامهم فجمعوا ما معهم ، فجاء قدر مبرك الشاة ، فدعا [ الله] فيه ، وأمرهم فملئوا كل وعاء معهم ، وكذا لما احتاجوا إلى الماء سأل الله تعالى ، فجاءت سحابة فأمطرتهم ، فشربوا وسقوا الإبل وملئوا أسقيتهم . ثم نظروا فإذا هي لم تجاوز العسكر . فهذا هو الأكمل في الاتباع:المشي مع قدر الله ، مع متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم .