وقوله:( فتعالى الله الملك الحق ) أي:تقدس أن يخلق شيئا عبثا ، فإنه الملك الحق المنزه عن ذلك ، ( لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) ، فذكر العرش; لأنه سقف جميع المخلوقات ، ووصفه بأنه كريم ، أي:حسن المنظر بهي الشكل ، كما قال تعالى:( فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ) [ لقمان:10] .
قال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا إسحاق بن سليمان شيخ من أهل العراق أنبأنا شعيب بن صفوان ، عن رجل من آل سعيد بن العاص قال:كان آخر خطبة خطب عمر بن عبد العزيز أن حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال:أما بعد ، فإنكم لم تخلقوا عبثا ، ولن تتركوا سدى ، وإن لكم معادا ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله ، وحرم جنة عرضها السماوات والأرض ، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدا إلا من حذر هذا اليوم وخافه ، وباع نافدا بباق ، وقليلا بكثير ، وخوفا بأمان ، ألا ترون أنكم من أصلاب الهالكين ، وسيكون من بعدكم الباقين ، حتى تردون إلى خير الوارثين؟ ثم إنكم في كل يوم تشيعون غاديا ورائحا إلى الله عز وجل ، قد قضى نحبه ، وانقضى أجله ، حتى تغيبوه في صدع من الأرض ، في بطن صدع غير ممهد ولا موسد ، قد فارق الأحباب وباشر التراب ، وواجه الحساب ، مرتهن بعمله ، غني عما ترك ، فقير إلى ما قدم . فاتقوا الله عباد الله قبل انقضاء مواثيقه ، ونزول الموت بكم ثم جعل طرف ردائه على وجهه ، فبكى وأبكى من حوله .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا يحيى بن نصر الخولاني ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني ابن لهيعة ، عن أبي هبيرة عن حنش بن عبد الله; أن رجلا مصابا مر به عبد الله بن مسعود ، فقرأ في أذنه هذه الآية:( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق ) ، حتى ختم السورة فبرأ ، [ فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بماذا قرأت في أذنه؟ "فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده ، لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال ".
وروى أبو نعيم من طريق خالد بن نزار ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث ، عن أبيه قال:بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ، وأمرنا أن نقول إذا نحن أمسينا وأصبحنا:( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) ، قال:فقرأناها فغنمنا وسلمنا .
وقال ابن أبي حاتم أيضا:حدثنا إسحاق بن وهب العلاف الواسطي ، حدثنا أبو المسيب سلمة بن سلام ، حدثنا بكر بن خنيس ، عن نهشل بن سعيد ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن عبد الله بن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمان لأمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن:بسم الله الملك الحق ، ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) [ الزمر:67] ، ( بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم ) [ هود:41] .