وبما أنّ عدم عبثيّة الخلق أمر مهمّ يحتاج إلى دليل رصين ،أضافت الآية ( فتعالى الله الملك الحقّ لا إله إلاّ هو ربّ العرش الكريم ) .
فإنّ الذي يقوم بعمل تافهفي الواقعهو الجاهل غير الواعي أو الضعيف غير القادر ،أو من هو بالذات تافه خاو .
أمّا «الله » الذي جمع الكمال في صفاته .
وهو «الملك » الذي يملك جميع الكائنات ويحكم عليها وهو «الحقّ » الذي لا يصدر منه غير الحقّ ،فكيف يخلق الوجود عبثاً بلا غاية .
ولو توهّم أحد الأشخاص بأنّه يمكن أن يوجد من يمنعه من الوصول إلى هدفه ،فإنّ عبارة ( لا إله إلاّ هو ربّ العرش الكريم ) تنفي ذلك وتؤكّد ربوبيّته ومفهومها أنّ هذا المالك مصلح وهادف في خلقه للعالم .
وباختصار نقول: إنّه إضافة إلى ذكر كلمة «الله » التي هي إشارة إلى صفاته الكمالية في ذاته ،ذكرت الآية أربع صفات بشكل صريح: مالكية وحاكمية الله ،ثمّ حقّانيّة وجوده ،وكذلك عدم وجود شريك له ،وأخيراً مقام ربوبيّته .وهذا كلّه دليل على أنّه تعالى لا يقوم بعمل عبثاً ،كما أنّه لم يخلق البشر عبثاً .
كلمة «العرش » كما أشرنا سابقاً ،هي إشارة إلى أنّ عالم الوجود كلّه الخاضع لحكم الله ( لأنّ العرش في اللغة يعني السرير ذي الأرجل العالية والخاصّ بالحكّام ،وهذه كناية عن حكم الله المطلق ) .وللإطلاع أوسع على معنى العرش في القرآن المجيد يراجع التّفسير الأمثل تفسير الآية 54 من سورة الأعراف .
وسبب توصيف العرش بالكريم ،هو أنّ كلمة «الكريم » تعني بالأصل الشريف والمفيد والجيّد ،وبما أنّ عرش الله سبحانه وتعالى له هذه الصفات ،فقد سمّي بالكريم .
ولابدّ من القول بأنّ صفة الكريم لا تخصّ العاقل فقط ،بل تطلق على غيره في اللغة العربية .كما نشاهد ذلك في سورة الحجّ الآية 50 الخاصّة بالمؤمنين الصالحين ( لهم مغفرة ورزق كريم ) أي رزق ذو بركة .وكما يقول الراغب الأصفهاني في مفرداته: الكرم لا يقال إلاّ في المحاسن الكبيرة ،كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل الله ،أو تحمّل حمالة ترقىء دماء قوم .
/خ116