وقوله:( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) أي:من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة ، فليلزم طاعة الله ، فإنه يحصل له مقصوده; لأن الله مالك الدنيا والآخرة ، وله العزة جميعها ، كما قال تعالى:( الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا ) [ النساء:139] .
وقال تعالى:( ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا ) [ يونس:65] ، وقال:( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) [ المنافقون:8] .
قال مجاهد:( من كان يريد العزة ) بعبادة الأوثان ، ( فإن العزة لله جميعا ) .
وقال قتادة:( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا ) أي:فليتعزز بطاعة الله عز وجل .
وقيل:من كان يريد علم العزة ، لمن هي ، ( فإن العزة لله جميعا ) ، حكاه ابن جرير .
وقوله:( إليه يصعد الكلم الطيب ) يعني:الذكر والتلاوة والدعاء . قاله غير واحد من السلف .
وقال ابن جرير:حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، أخبرني جعفر بن عون ، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه المخارق بن سليم قال:قال لنا عبد الله - هو ابن مسعود - إذا حدثناكم حديثا أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله:إن العبد المسلم إذا قال:"سبحان الله وبحمده ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، تبارك الله "، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ، ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن ، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل ، ثم قرأ عبد الله:( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) .
وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شقيق قال:قال كعب الأحبار:إن ل "سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر "لدويا حول العرش كدوي النحل ، يذكرن بصاحبهن ، والعمل الصالح في الخزائن .
وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار ، رحمه الله ، وقد روي مرفوعا .
قال الإمام أحمد:حدثنا ابن نمير ، حدثنا موسى - يعني ابن مسلم الطحان - عن عون بن عبد الله ، عن أبيه - أو:عن أخيه - عن النعمان بن بشير قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الذين يذكرون من جلال الله ، من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله ، يتعاطفن حول العرش ، لهن دوي كدوي النحل ، يذكرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم ألا يزال له عند الله شيء يذكر به ؟ ".
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بشر بكر بن خلف ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن موسى بن أبي [ عيسى] الطحان ، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبيه - أو:عن أخيه - عن النعمان بن بشير ، به .
وقوله:( والعمل الصالح يرفعه ):قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس:الكلم الطيب:ذكر الله ، يصعد به إلى الله ، عز وجل ، والعمل الصالح:أداء فرائضه . ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ، رد كلامه على عمله ، فكان أولى به .
وكذا قال مجاهد:العمل الصالح يرفع الكلام الطيب . وكذا قال أبو العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم النخعي ، والضحاك ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وشهر بن حوشب ، وغير واحد [ من السلف] .
وقال إياس بن معاوية القاضي:لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام .
وقال الحسن ، وقتادة:لا يقبل قول إلا بعمل .
وقوله:( والذين يمكرون السيئات ):قال مجاهد ، وسعيد بن جبير ، وشهر بن حوشب:هم المراءون بأعمالهم ، يعني:يمكرون بالناس ، يوهمون أنهم في طاعة الله ، وهم بغضاء إلى الله عز وجل ، يراءون بأعمالهم ، ( ولا يذكرون الله إلا قليلا ) [ النساء:142] .
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:هم المشركون .
والصحيح أنها عامة ، والمشركون داخلون بطريق الأولى ، ولهذا قال:( لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ) ، أي:يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى ، فإنه ما أسر عبد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي ، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم ، بل يكشف لهم عن قريب ، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية .