قوله تعالى:{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} .
بيَّن جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من كان يريد العزة فإنها جميعها للَّه وحده ،فليطلبها منه وليتسبب لنيلها بطاعته جلَّ وعلا ،فإن من أطاعه أعطاه العزّة في الدنيا والآخرة .أمّا الذين يعبدون الأصنام لينالوا العزّة بعبادتها ،والذين يتّخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ،يبتغون عندهم العزّة ،فإنهم في ضلال وعمى عن الحق ؛لأنهم يطلبون العزّة من محل الذلّ .
وهذا المعنى الذي دلَّت عليه هذه الآية الكريمة ،جاء موضحًا في آيات من كتاب اللَّه تعالى ؛كقوله تعالى:{وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً}[ مريم: 81-82] ،وقوله تعالى:{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً} [ النساء: 139] ،وقوله تعالى:{وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[ يونس: 65] ،وقوله تعالى:{يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأعَزُّ مِنْهَا الأذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ}[ المنافقون: 8] الآية ،وقوله تعالى:{سُبْحَانَ رَبّكَ رَبّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [ الصافات: 180] ،والعزة: الغلبة والقوة .ومنه قول الخنساء:
كأن لم يكونوا حمى يختشى*** إذ الناس إذ ذاك من عزيزا
أي: من غلب استلب ،ومنه قوله تعالى:{وَعَزَّنِي في الْخِطَابِ} [ ص: 23] ،أي: غلبني وقوي عليّ في الخصومة .
وقول من قال من أهل العلم: إن معنى الآية:{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} ،أي: يريد أن يعلم لمن العزَّة أصوب منه ما ذكرنا ،والعلم عند اللَّه تعالى .
قوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[ 10] .
قد تقدّم بعض الكلام عليه في سورة «النحل » ،مع إعراب السيئات .
وقد قدّمنا في مواضع أُخر أن من مكرهم السيئات كفرهم باللَّه وأمرهم أتباعهم به ؛كما قال تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} [ سبأ: 33] ،وكقوله تعالى:{وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً * وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [ نوح: 22-23] ،والعلم عند اللَّه تعالى .