قال الحسن وقتادة:نزلت هذه الآية ، وهي قوله:( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) في اليهود والنصارى ، حين قالوا:( نحن أبناء الله وأحباؤه )
وقال ابن زيد:نزلت في قولهم:( نحن أبناء الله وأحباؤه ) [ المائدة:18] ، وفي قولهم:( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ البقرة:111] .
وقال مجاهد:كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ، ويزعمون أنهم لا ذنب لهم .
وكذا قال عكرمة ، وأبو مالك . روى ذلك ابن جرير .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) وذلك أن اليهود قالوا:إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ، وسيشفعون لنا ويزكوننا ، فأنزل الله على محمد [ صلى الله عليه وسلم] ( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا ) رواه ابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مصفى ، حدثنا ابن حمير ، عن ابن لهيعة ، عن بشر بن أبي عمرو عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ، ويقربون قربانهم ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب . وكذبوا . قال الله [ تعالى] إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له "وأنزل الله:( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم )
ثم قال:وروي عن مجاهد ، وأبي مالك ، والسدي ، وعكرمة ، والضحاك - نحو ذلك .
وقال الضحاك:قالوا:ليس لنا ذنوب ، كما ليس لأبنائنا ذنوب . فأنزل الله ذلك فيهم .
وقيل:نزلت في ذم التمادح والتزكية .
وقد جاء في الحديث الصحيح عند مسلم ، عن المقداد بن الأسود قال:أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب .
وفي الحديث الآخر المخرج في الصحيحين من طريق خالد الحذاء ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يثني على رجل ، فقال:"ويحك . قطعت عنق صاحبك ". ثم قال:"إن كان أحدكم مادحا صاحبه لا محالة ، فليقل:أحسبه كذا ولا يزكي على الله أحدا ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا معتمر ، عن أبيه ، عن نعيم بن أبي هند قال:قال عمر بن الخطاب:من قال:أنا مؤمن ، فهو كافر . ومن قال:هو عالم ، فهو جاهل . ومن قال:هو في الجنة ، فهو في النار .
ورواه ابن مردويه ، من طريق موسى بن عبيدة ، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ، عن عمر أنه قال:إن أخوف ما أخاف عليكم إعجاب المرء برأيه ، فمن قال:إنه مؤمن ، فهو كافر ، ومن قال:إنه عالم فهو جاهل ، ومن قال:إنه في الجنة ، فهو في النار .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة وحجاج ، أنبأنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن معبد الجهني قال:كان معاوية قلما يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال:وكان قلما يكاد أن يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول:"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإن هذا المال حلو خضر ، فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه ، وإياكم والتمادح فإنه الذبح ".
وروى ابن ماجه منه:"إياكم والتمادح فإنه الذبح "عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن غندر ، عن شعبة به .
ومعبد هذا هو ابن عبد الله بن عويم البصري القدري .
وقال ابن جرير:حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال:قال عبد الله بن مسعود:إن الرجل ليغدو بدينه ، ثم يرجع وما معه منه شيء ، يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرا فيقول له:والله إنك كيت وكيت فلعله أن يرجع ولم يحل من حاجته بشيء وقد أسخط الله . ثم قرأ ) ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم ) الآية .
وسيأتي الكلام على ذلك مطولا عند قوله تعالى:( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) [ النجم:32] . ولهذا قال تعالى:( بل الله يزكي من يشاء ) أي:المرجع في ذلك إلى الله ، عز وجل لأنه عالم بحقائق الأمور وغوامضها .
ثم قال تعالى:( ولا يظلمون فتيلا ) أي:ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل .
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وغير واحد من السلف:هو ما يكون في شق النواة .
وعن ابن عباس أيضا:هو ما فتلت بين أصابعك . وكلا القولين متقارب .