القول في تأويل قوله تعالى:قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92)
قال أبو جعفر:يقول تعالى ذكره:قال شعيب لقومه:يا قوم ، أعزّزتم قومكم، فكانوا أعزّ عليكم من الله، واستخففتم بربكم، فجعلتموه خلف ظهوركم، لا تأتمرون لأمره ولا تخافون عقابه، ولا تعظِّمونه حق عظَمته؟
* * *
يقال للرجل إذا لم يقض حاجة الرجل:"نَبَذ حاجته وراء ظهره "، (9) أي:تركها لا يلتفت إليها. و إذا قضاها قيل:"جعلها أمامه ، ونُصْب عينيه "، ويقال:"ظَهَرتَ بحاجتي "و "جعلتها ظِهْرِيَّة "، أي:خلف ظهرك، كما قال الشاعر:(10)
*وَجَدْنَا بَنِي البَرْصَاءِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ* (11)
بمعنى:أنهم يَظْهَرون بحوائجِ النّاس فلا يلتفتون إليها.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
18515- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:(قال يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، وذلك أن قوم شعيب ورهطه كانوا أعز عليهم من الله، وصَغُر شأن الله عندهم ، عزَّ ربُّنا وجلَّ.
18516- حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس:(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال:قَفًا. (12)
18517- حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة:(يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، يقول:عززتم قومكم، وأظهرْتم بربكم.
18518- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، قال:لم تراقبوه في شيء إنما تراقبون قومي (واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، يقول:عززتم قومكم وأظهرتم بربكم.
18519- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة:(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال:لم تراقبوه في شيء، إنما تراقبون قومي، (واتخذتموه وراءكم ظهريًّا )، لا تخافونه
18520- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:(أرهطي أعز عليكم من الله) ، قال:أعززتم قومكم ، واغتررتم بربكم، سمعت إسحاق بن أبي إسرائيل قال:قال سفيان:(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، كما يقول الرجل للرجل:"خلَّفتَ حاجتي خلفَ ظهرك "، ( واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، استخففتم بأمره. فإذا أراد الرجل قضاء حاجةِ صاحبه جعلها أمامه بين يديه، ولم يستخفَّ بها.
18521- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال:"الظهْريّ"، الفَضْل، مثل الجمّال يخرج معه بإبل ظَهَارَّية ، (13) فضل ، لا يحمل عليها شيئًا ، إلا أن يحتاج إليها. قال:فيقول:إنما ربكم عندكم مثل هذا ، إن احتجتم إليه. وإن لم تحتاجوا إليه فليس بشيء.
* * *
وقال آخرون:معنى ذلك:واتخذتم ما جاء به شعيبٌ وراءكم ظهريًّا،فالهاء في قوله:(واتخذتموه) ، على هذا من ذكر ما جاء به شعيب.
*ذكر من قال ذلك:
18522- حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)، قال:تركتم ما جاء به شعيب
18523-. . . . قال، حدثنا جعفر بن عون، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد قال:نبذوا أمره.
18524- حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد:(واتخذتموه وراءكم ظهريا) ، قال:نبذتم أمره.
18525- حدثنا محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا)،قال:همَّ رهط شعيب بتركهم ما جاء به وراء ظهورهم ظهريًّا.
18526- حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال ،
18527- . . . . وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، قال:استثناؤهم رهط شعيب، وتركهم ما جاءَ به شعيب وراء ظهورهم ظهريًّا.
* * *
قال أبو جعفر:وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لقرب قوله:(واتخذتموه وراءكم ظهريًّا) ، من قوله:(أرهطي أعز عليكم من الله)،فكانت الهاء في قوله:(واتخذتموه) ، بأن تكون من ذكر الله ، لقرب جوارها منه ، أشبهَ وأولى.
* * *
وقوله:(إن ربي بما تعملون محيط) ، يقول:إن ربي محيط علمه بعملكم، (14) فلا يخفى عليه منه شيء، وهو مجازيكم على جميعه عاجلا وآجلا.
-------------------
الهوامش:
(9) انظر تفسير "نبذه وراء ظهره "فيما سلف 1:403 ، 404 / 7:458 ، 459 ، 463 .
(10) هو أرطاة بن سهية المري .
(11) مجاز القرآن لأبي عبيدة 1:298 ، واللسان ( ظهر ) ، وكان أرطاة يهاجي شبيب بن البرصاء ، وهما جميعًا من بني مرة بن سعد بن ذبيان ، والهجاء بينهما كثير ، وهذا منه . انظر الأغاني 13:29 - 44 ( دار الكتب ) ترجمة أرطاة بن سهية،والأغاني 12:271 - 281 ( ساسي ) ترجمة شبيب بن البرصاء . وصدر البيت:
* فَمَـنْ مُبْلِـغٌ أبْنَـاءَ مُـرَّة أنَّنَـا *
(12) هكذا في المطبوعة ، ولها معنى ، ولكن الذي في المخطوطة:"قصي "، وكأنه أراد "قصيا "، وهذا عندي أحب .
(13) هكذا جاء في المخطوطة والمطبوعة:"ظهارية "، ولكن اللغة على أن جمع "ظهري "، "ظهاري "، فزيادة التاء هنا ضعيفة الوجه .
(14) انظر تفسير "محيط "فيما سلف ص:445 ، تعليق:2 ، والمراجع هناك .