قوله تعالى : { قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } . قال قتادة والسدي : لما أرسل دَلْوَهُ تعلق بها يوسف فقال المُدْلي : يا بشراي هذا غلام ! قال قتادة : بشّر أصحابه بأنه وجد عبداً ؛ وقال السدي : كان اسم الرجل الذي ناداه بُشْرَى . وقوله : { وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } قال مجاهد والسدي : " أَسَرَّهُ المُدْلِي ومَنْ معه من باقي التجار لئلا يسألوهم الشركة فيه برخص ثمنه " . وقال ابن عباس : " أَسَرَّهُ إخوته وكتموا أنه أخوهم وتابعهم على ذلك لئلا يقتلوه " . والبضاعة القطعة من المال تجعل للتجارة . وقيل في معنى : { أَسَرُّوهُ بِضَاعَةً } أنهم اعتقدوا فيه التجارة . وروى شعبة عن يونس عن عبيد عن الحسن عن علي : أنه قضى باللقيط أنه حرّ ، وقرأ : { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ } . وروَى الزهري عن سنين أبي جميلة قال : وجدت منبوذاً على عهد عمر ، فقال عمر : عسى الغُوَيْرُ أبْؤُساً ! فقيل : إنه لا يُتّهم ، فقال : هو حرّ ولك ولاؤه وعلينا رضاعه . فمعنى قوله : " عسى الغوير أبؤساً " الغُوَيْر تصغير غَارٍ ، وهو مَثَلٌ معناه : عسى أن يكون جاء البأس من قبل الغار ، فاتّهم عمر الرجل وقال : عسى أن يكون الأمر جاء من قبلك في هذا الصبي اللقيط بأن يكون من مائك ، فلما شهدوا له بالستر أمره بإمساكه وقال : ولاؤه لك . وجائز أن يريد بالولاء هاهُنا إمساكه والولاية عليه وإثبات هذا الحق له كما لو كان عبداً له فأعتقه ؛ لأنه تبرع بأخذه وإحيائه والإحسان إليه ؛ وقد أخبر عمر أنه حرٌّ فلا يخلو من أن يكون ذلك على وجه الإخبار بأنه حُرُّ الأصل ولا رِقَّ عليه أو إيقاع حرية عليه من قبله ، ومعلوم أن عمر لم يملكه ولم يكن عبداً له فيعتقه ، فعلمنا أنه أراد الإخبار بأنه حُرٌّ لا يجري عليه رِقٌّ ، وإذا كان حُرَّ الأصل لم يَجُزْ أن يثبت ولاؤه لإنسان ، فعلمنا أنه أراد بقوله : " لك ولاؤه " أي لك ولايته في الإمساك والحفظ . وما رُوي عن عمر وعائشة أنهما قالا في أولاد الزنا : " أعتقوهم وأحسنوا إليهم " ، فإنما معناه : احكموا بأنهم أحرار . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ " ؛ وذلك إخبار منه بوقوع العتاق بالملك لا يحتاج إلى استينافه . وقد روى المغيرة عن إبراهيم في اللقيط يجده الرجل قال : " إن نوى أن يسترقّه كان رقيقاً وإن نوى الحسبة عليه كان عتيقاً " . وهذا لا معنى له لأنه إن كان حرّاً لم يَصِرْ رقيقاً بنيّة الملتقط ، وإن كان عبداً لم يَصِرْ عتيقاً بنيته أيضاً . وأيضاً أن الأصل في الناس الحرية وهو الظاهر ، ألا ترى أن من وجدناه يتصرف في دار الإسلام أنا نحكم بحريته ولا نجعله عبداً إلا ببينة تشهد بذلك أو بإقراره ؟ وأيضاً فإن اللقيط لا يخلو من أن يكون ولد حرة أو أَمَةٍ ، فإن كان ولد حرة فهو حرٌّ وغير جائز استرقاقه ، وإن كان ولد أَمَةٍ فهو عبد لغير الملتقط ، فلا يجوز لنا أن نتملكه ؛ ففي الوجوه كلها لا يجوز أن يكون اللقيط عبداً للملتقط . وأيضاً فإن الرقَّ طارىءٌ والأصل الحرية ، كشيء علمناه ملكاً لإنسان وادَّعى غيره زواله إليه فلا نصدقه ؛ لأنه يدَّعي معنًى طارئاً ، كذلك حكم الملتقط فيما يثبت له من رِقِّ اللقيط . وأيضاً لما كان لُقَطَةُ المال لا توجب للملتقط ملكاً فيها مع العلم بأنه ملك في الأصل ، كان التقاط اللقيط الذي لا يُعلم رِقُّه أحرى أن لا يوجب للملتقط ملكاً . وقد روى حماد بن سلمة عن عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب أن رجلاً تزوج امرأة فولدت لأربعة أشهر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لها صَدَاقُها بما اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا وَوَلَدُهَا مَمْلُوكٌ له " ، وهو حديث شاذّ غير معمول عليه ؛ لأن أكثر ما فيه أنه ولد زنا إذا كان من حرة فهو حر ، ولا خلاف بين الفقهاء في أن ولد الزنا واللقيط حُرَّان .