باب السكر :
قال الله تعالى : { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ والأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } . اختلف السلف في تأويل السَّكَرِ ، فرُوي عن الحسن وسعيد بن جبير أنهما قالا : " السَّكَرُ : ما حرم منه ، والرزق الحسن : ما حلَّ منه " . ورُوي عن إبراهيم والشعبي وأبي رزين قالوا : " السَّكَرُ خمرٌ " . ورَوَى جرير عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : " السكر خمر " . وروى ابن شبرمة عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال : " السكر خمر ، إلا أنه من التمر " . وقال هؤلاء : إنه منسوخ بتحريم الخمر . وحدثنا جعفر بن محمد الواسطي قال : حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا عبدالرحمن عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن عمرو بن سفيان ، عن ابن عباس قال : " هو ما حرم من ثمرتيهما ، وما أحلّ من ثمرتيهما " . قال أبو بكر : هذا نحو قول الأولين . وحدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال : حدثنا أبو عبيد قال : حدثنا حجاج عن ابن جريج وعثمان بن عطاء الخراساني عن ابن عباس : { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً } ، قال : " السكر النبيذ ، والرزق الحسن الزبيب " .
قال أبو بكر : لما تأوله السلف على الخمر ، وعلى النبيذ ، وعلى الحرام منه . ثبت أن الاسم يقع على الجميع ؛ وقولهم إنه منسوخ بتحريم الخمر يدلّ على أن الآية اقتضت إباحة السكر وهو الخمر والنبيذ ، والذي ثبت نسخه من ذلك إنما هو الخمر ، ولم يثبت تحريم النبيذ ، فوجب تحليله بظاهر الآية إذ لم يثبت نسخه . ومن ادَّعى أنه منسوخ بتحريم الخمر ، لم يصحَّ له ذلك إلا بدلالة ، إذ كان اسم الخمر لا يتناول النبيذ . وروى سعيد عن قتادة قال : " السَّكَرُ خمور الأعاجم ، والرزق الحسن ما ينبذون ، ويخلّلون ، ويأكلون . أُنزلت هذه الآية ولم تحرم الخمر ، وإنما جاء تحريمها في سورة المائدة " . وقد روى أبو يوسف قال : حدثنا أيوب بن جابر الحنفي عن أشعث بن سليمان عن أبيه ، عن معاذ بن جبل قال : " لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، أمره أن ينهاهم عن السكر " . قال أبو بكر : وهذا السكر المحرم عندنا هو : نَقِيعٌ التمر .