قوله تعالى : { وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } يدل على أنه علم الأسماء كلها لآدم ، أعني الأجناس بمعانيها لعموم اللفظ في ذكر الأسماء . وقوله : { ثم عرضهم على الملائكة } فيه دلالة على أنه أراد أسماء ذريته على ما رُوي عن الربيع بن أنس ، إلا أنه قد رُوي عن ابن عباس ومجاهد أنه علمه أسماء جميع الأشياء . وظاهر اللفظ يُوجب ذلك .
فإن قيل : لمَّا قال { عرضهم } دلَّ على أنه أسماء من يعقل ، لأن " هُمْ " إنما يطلق فيما يعقل دون ما لا يعقل .
قيل له : لما أراد ما يعقل وما لا يعقل جاز تغليب اسم ما يعقل ، كقوله تعالى : { خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع } [ النور : 45 ] لما دخل في الجملة من يعقل أجرى الجميع مجرى واحداً .
وهذه الآية تدل على أن أصول اللغات كلها توقيف من الله تعالى لآدم عليه السلام عليها على اختلافها ، وأنه علمه إياها بمعانيها ؛ إذ لا فضيلة في معرفة الأسماء دون المعاني ، وهي دلالة على شرف العلم وفضيلته ، لأنه تعالى لما أراد إعلام الملائكة فضيلة آدم علمه الأسماء بمعانيها حتى أخبر الملائكة بها ولم تكن الملائكة علمت منها ما علمه آدم فاعترفت له بالفضل في ذلك .
ومن الناس من يقول إن لغة آدم وولده كانت واحدة إلى زمان الطوفان ، فلما أغرق الله تعالى أهل الأرض وبقي من نسل نوح من بقي وتوفي نوح عليه السلام وتوالدوا وكثروا ، أرادوا بناء صَرْحٍ ببابل يمتنعون به من طوفان إذ كان بلبل الله ألسنتهم فنسي كلُّ فرقة منهم اللسان الذي كان عليه ، وعلمها الله الألسنة التي توارثها بعد ذلك ذريتهم عنهم ، وتفرقوا في البلدان وانتشروا في الأرض .
ومن الناس من يأبى ذلك ويقول : لا يجوز أن ينسى إنسانٌ كاملُ العقل جميعَ لغته التي كان يتكلم بها بالأمس ، وإنهم قد كانوا عارفين بجميع اللغات إلى أن تفرقوا ، فاقتصر كل أُمة منهم على اللسان الذي هم عليه اليوم وتركوا سائر الألسنة التي كانوا عرفوها ولم تأخذها عنهم أولادهُمء ونسلُهم ، فلذلك لم يعرف من نشأ بعدهم سائر اللغات .