قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } . لا يخلو من أن يكون راجعاً إلى صلاة معهودة وزكاة معلومة وقد عرفها ، أو أن يكون متناولاً صلاة مجملة وزكاة مجملة موقوفة على البيان ؛ إلا أنا قد علمنا الآن أنه قد أُريد بهما فيما خوطبنا به من هذه الصلوات المفروضة والزكوات الواجبة ، إما لأنه كان ذلك معلوماً عند المخاطبين في حال ورود الخطاب ، أو أن يكون كان ذلك مجملاً ورد بعده بيان المراد فحصل ذلك معلوماً . وأما قوله { واركعوا مع الراكعين } فإنه يفيد إثبات فرض الركوع في الصلاة ، وقيل إنه إنما خصّ الركوع لأن أهل الكتاب لم يكن لهم ركوع في صلاتهم فنصّ على الركوع فيها . ويحتمل أن يكون قوله : { واركعوا } عبارة عن الصلاة نفسها كما عبّر عنها بالقراءة في قوله : { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } [ المزمل : 20 ] ، وقوله : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } [ الإسراء : 78 ] والمعنى صلاة الفجر ؛ فينتظم وجهين من الفائدة : أحدهما إيجاب الركوع ، لأنه لم يعبر عنها بالركوع إلا وهو من فرضها ، والثاني : الأمر بالصلاة مع المصلين .
فإن قيل : قد تقدم ذكر الصلاة في قوله : { وأقيموا الصلاة } فغير جائز أن يريد بعطف الركوع عليها الصلاة بعينها .
قيل له : هذا جائز إذا أريد بالصلاة المبدوء بذكرها الإجمال دون صلاة معهودة فيكون حينئذٍ قوله : { واركعوا مع الراكعين } إحالةً لهم على الصلاة التي بَيَّنها بركوعها وسائر فروضها . وأيضاً لما كانت صلاة أهل الكتاب بغير ركوع وكان في اللفظ احتمال رجوعه إلى تلك الصلاة بَيَّن أنه لم يُرِدْ الصلاة التي يتعبَّدُ بها أهل الكتاب بل التي فيها الركوع .