قوله تعالى : { وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ والسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولي القُرْبَى } . رُوي عن ابن عباس وعائشة أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويتيمين كانا في حِجْرِهِ ينفق عليهما ، أحدهما مِسْطَحُ بن أثاثة ، وكانا ممن خاض في أمر عائشة ، فلما نزلت براءتها حلف أبو بكر أن لا ينفعهما بنفع أبداً ، فلما نزلت هذه الآية عاد له وقال : بلى والله إني لأحبُّ أن يغفر الله لي ، والله لا أنزعها عنهما أبداً ! وكان مسطح ابن خالة أبي بكر مسكيناً ومهاجراً من مكة إلى المدينة من البدريين . وفي هذا دليل على أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها أنه ينبغي له أن يأتي الذي هو خَيْرٌ ؛ ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ولْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ " . ومن الناس من يقول إنه يَأْتِي الذي هو خير وذلك كفارته ، وقد رُوي أيضاً في حديثٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم . ويَحْتَجُّ من يقول ذلك بظاهر هذه الآية وأن الله تعالى أمر أبا بكر بالحنث ولم يوجب عليه كفارة .
وليس فيما ذكروا دلالة على سقوط الكفارة ؛ لأن الله قد بيَّن إيجابَ الكفارة في قوله : { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته } [ المائدة : 89 ] ، وقوله : { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } [ المائدة : 59 ] ، وذلك عموم فيمن حَنَثَ فيما هو خير وفي غيره . وقال الله تعالى في شأن أيوب حين حلف على امرأته أن يضربها . { وخذ بيدك ضغثاً فاضرب به ولا تحنث } [ ص : 44 ] ، وقد علمنا أن الحنث كان خيراً من تركه وأمره الله تعالى بضَرْبٍ لا يبلغ منها ، ولو كان الحنث فيها كفارتها لما أمر بضربها بل كان يَحْنَثُ بلا كفارة . وأما ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَها خَيْراً مِنْها فَلْيَأْتِ الَّذي هُوَ خَيْرٌ وذَلِكَ كَفَّارَتُهُ " . فإن معناه تكفير الذنب لا الكفارة المذكورة في الكتاب ؛ وذلك لأنه منهيٌّ عن أن يحلف على ترك طاعة الله ، فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالحنث والتوبة وأخبر أن ذلك يكفّر ذنبه الذي اقترفه بالحلف .
قوله تعالى : { الخَبِيثَاتُ للخَبِيثِينَ والخَبِيثُونَ للخَبِيثَاتِ } . رُوي عن ابن عباس والحسن ومجاهد والضحّاك قالوا : " الخبيثات من الكلام للخبيثين من الرجال " .
ورُوي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : " الخبيثات من السّيئات للخبيثين من الرجال " ، وهو قريب من الأول ، وهو نحو قوله : { قل كلّ يعمل على شاكلته } [ الإسراء : 84 ] . وقيل : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، على نحو قوله : { الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٍ وحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المُؤْمِنِينَ } وأن ذلك منسوخ بما ثبت في موضعه .