قوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ } . قال محمد ابن الحنفية : " هي بيوت الخانات التي تكون في الطرق وبيوت الأسواق " ، وعن الضحاك مثله . وقال الحسن وإبراهيم النخعي : " كانوا يأتون حوانيت السوق لا يستأذنون " . وقال مجاهد : " كانت بيوتاً يضعون فيها أمتعتهم فأُمِرُوا أن يدخلوها بغير إذن " ، ورُوي عنه أيضاً أنه قال : " هي البيوت التي تنزلها السَّفْرُ " . ورُوي عن أبي عبيد المحاربي قال : " رأيت عليّاً رضي الله عنه أصابته السماء وهو في السوق ، فاستظلَّ بخيمةِ فارسيٍّ فجعل الفارسي يدفعه عن خيمته وعلي يقول : إنما أَسْتَظِلُّ من المطر ، فجعل الفارسي يدفعه ، ثم أُخبر الفارسيُّ أنه عليّ فضرب بصدره " . وقال عكرمة : { بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } " هي البيوت الخربة لكم فيها حاجة " . وقال ابن جريج عن عطاء : { فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ } " الخلاء والبول " . وجائز أن يكون المراد جميع ذلك ، إذ كان الاستئذان في البيوت المسكونة لئلا يهجم على ما لا يحبّ من العورة ، ولأن العادة قد جرت في مثله بإطلاق الدخول ، فصار المعتاد المتعارف كالمنطوق به . والدليل على أن معنى إطلاق ذلك لجريان العادة في الإذن أن أصحابها لو مَنَعُوا الناس من دخول هذه البيوت كان لهم ذلك ولم يكن لأحد أن يدخلها بغير إذن ، ونظير ذلك فيما جرت العادة بإباحته وقام ذلك مقام الإذن فيه ما يطرحه الناس من النَّوَى وقمامات البيوت والخِرَقِ في الطرق أن لكل أحد أن يأخذ ذلك وينتفع به . وهو أيضاً يدلّ على صحة اعتبار أصحابنا هذا المعنى في سائر ما يكون في معناه مما قد جرت العادة به وتعارفوه أنه بمنزلة النطق ، كنحو قولهم فيما يُلْحِقُونَهُ برأس المال من طعام الرقيق وكسوتهم وفي حمولة المتاع أنه يُلحقه برأس المال ويبيعه مرابحة ، فيقول : قام عليَّ بكذا ؛ وما لم تَجْرِ العادة به لا يلحقه برأس المال ، فقامت العادة في ذلك مقام النطق ؛ وفي نحوه قول محمد فيمن أسلم إلى خياط أو قَصّار ثوباً ليخيطه أو يقصره ولم يشرط له أجراً : " إن الأجر قد وجب له إذا كان قد نصب نفسه لذلك وقامت العادة في مثله مقام النطق في أنه فعله على وجه الإجارة " . وقد رَوَى سفيان عن عبدالله بن دينار قال : " كان ابن عمر يستأذن في حوانيت السوق ، فذكر ذلك لعكرمة فقال : ومن يطيق ما كان ابن عمر يطيق ؟ " وليس في فعله ذلك دلالة على أنه رأى دخولها بغير إذن محظوراً ، ولكنه احْتَاطَ لنفسه ، وذلك مباحٌ لكل أحد .