قوله تعالى : { وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } . عن أبي حنيفة : " الزور الغِنَاء " . وعن ابن عباس في قوله تعالى : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } [ لقمان : 6 ] ، قال : " يشتري المغنية " .
وعن عبدالله بن مسعود مثله . وعن مجاهد قال : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } [ لقمان : 6 ] قال : " الغناء وكل لعب ولهو " . ورَوَى ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نُهِيتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْن فَاجِرَيْنِ : صَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وشَقِّ جُيُوبٍ ورَنَّةِ شَيْطَانٍ ، وصَوْتٍ عِنْدَ نَغْمَةٍ لَهْوٍ ولعِبٍ ومَزَامِيرِ شَيْطَانٍ " .
ورَوى عبيدالله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إِنّ الله حَرَّمَ عليَّ الخَمْرَ والكُوبَةَ والغِنَاءَ " . قال محمد ابن الحنفية أيضاً في قوله : { لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } " أن لا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً " .
قال أبو بكر : يحتمل أن يريد به الغناء على ما تأولوه عليه ، ويحتمل أيضاً القول بما لا علم للقائل به ؛ وهو على الأمرين لعموم اللفظ .
قوله تعالى : { وَإِذَا مَرُّوا باللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } ؛ قال سعيد بن جبير ومجاهد : " إذا أُوذوا مرُّوا كراماً صفحوا " .
وروى أبو مخزوم عن سنان : { إِذَا مَرُّوا باللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً } قال : " إذا مروا بالرَّفَثِ كَنَوْا " .
وقال الحسن : " اللغو كله المعاصي " . قال السدي : هي مكية . قال أبو بكر : يعني أنه قبل الأمر بقتال المشركين .
قوله تعالى : { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَراماً } قيل : " لازماً مُلِحّاً دائماً " ، ومنه الغريم لملازمته وإلحاحه ، وإنه لمغرم بالنساء أي ملازم لهن لا يصبر عنهن ؛ وقال الأعشى :
* إِنْ يُعَاقِبْ يَكُنْ غَراماً وإِنْ يُعْ * طِ جَزِيلاً فإنّه لا يُبَالِي *
وقال بشر بن أبي حازم :
* يَوْمَ النَّسَارِ ويَوْمَ الجِفَا * رِكَانَا عَذَاباً وكَانَا غَراما *
قال لنا أبو عمر غلام ثعلب : أصل الغرم اللزوم في اللغة ؛ وذكر نحواً مما قدمنا . ويسمَّى الدَّيْنُ غُرْماً ومَغْرَماً لأنه يقتضي اللزوم والمطالبة ، فيقال للطالب الغَرِيم لأن له اللزوم وللمطلوب غَرِيمٌ لأنه يثبت عليه اللزوم ؛ وعلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يُغْلِقُ الرَّهْنُ لصَاحِبِهِ غُنْمَهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ " يعني دينه الذي هو مرهون به . وزعم الشافعي أن الغرم الهلاك ؛ قال أبو عمر : وهذا خطأ في اللغة . ورُوي عن الحسن أنه قال : " ليس غريم إلا مفارقاً غريمه غير جهنّم فإنها لا تفارق غريمها " .