قوله تعالى : { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ في فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ في سَبِيلِ اللهِ } الآية . رُوي عن ابن مسعود والحسن أن ذلك خطاب للمؤمنين وأن المؤمنين هي الفئة الرائية للمشركين مثليهم رَأْيَ العين ، فرأوهم مثلي عدتهم وقد كانوا ثلاثة أمثالهم ؛ لأن المشركين كانوا نحو ألف رجل والمسلمون ثلاثمائة وبضعة عشر ، فقلّلهم الله تعالى في أعْيُنِ المسلمين لتقوية قلوبهم . وقال آخرون : قوله : { قَدْ كَانَ لَكُمْ } آيةٌ مخاطِبَةٌ للكفار الذين ابتدأ بذكرهم في قوله : { قُلْ للَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ } ؛ وقوله : { قَد كَانَ لَكُمْ } آيةٌ معطوفٌ عليه وتمام له ، والمعنى فيه أن الكافرين رأوا المؤمنين مثليهم وأراهم الله تعالى كذلك في رأي العين ليجبن قلوبهم ويرهبهم فيكون أقوى للمؤمنين عليهم ، وذلك أحد أبواب النصر للمسلمين والخذلان للكافرين . وفي هذه الآية الدلالة من وجهين على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، أحدهما : غلبة الفئة القليلة العدد والعدة للكثيرة العدد والعدة ، وذلك على خلاف مجرى العادة ، لِمَا أَمَدَّهُمُ الله به من الملائكة . والثاني : أن الله تعالى قد كان وعدهم إحْدَى الطائفتين ، وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين قبل اللقاء بالظفر والغلبة وقال : " هذا مَصْرَعُ فُلانٍ وَهَذَا مَصْرَعُ فلانٍ " وكان كما وعد الله وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم .