قوله تعالى : { وما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } . قال أبو بكر : حدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني قال : أخبرنا عبدالرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى : { إذْ يُلْقُونَ أقْلامَهُمْ } قال : " تَسَاهَمُوا على مريم أيهم يَكْفُلُها فَقَرَعَهُمْ زكريا " . ويقال إن الأقلام ههنا القداح التي يُتَسَاهم عليها ، وإنهم ألقوها في جِرْيَةِ الماء ، فاستقبل قلم زكريا عليه السلام جِرْيَةَ الماء مُصَعِّداً وانحدرت أقلامُ الآخرين معجزةً لزكريا عليه السلام فقرعهم ؛ يروى ذلك عن الربيع بن أنس . ففي هذا التأويل أنهم تساهموا عليها حِرْصاً على كفالتها . ومن الناس من يقول : إنهم تدافعوا كفالتها لشدة الأزمة والقَحْطِ في زمانها حتى وُفِّقَ لها زكريا خير الكفلاء . والتأويل الأول أصحّ ؛ لأن الله تعالى قد أخبر أنه كَفَّلها زكريا ، وهذا يدل على أنه كان حريصاً على كفالتها . ومن الناس من يحتجّ بذلك على جواز القرعة في العبيد يُعْتِقُهُمْ في مَرَضه ثم يموت ولا مال له غيرهم . وليس هذا مِنْ عِتْقِ العبيد في شيء ؛ لأن الرضا بكفالة الواحد منهم بعينه جائز في مثله ولا يجوز التراضي على استرقاق من حصلت له الحرية ، وقد كان عتق الميت نافذاً في الجميع فلا يجوز نقله بالقرعة عن أحد منهم إلى غيره كما لا يجوز التراضي على نقل الحرية عمن وقعت عليه .
وإلقاء الأقلام يشبه القرعة في القسمة وفي تقديم الخصوم إلى الحاكم ، وهو نظير ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه " ؛ وذلك لأن التراضي على ما خرجت به القرعة جائز من غير قرعة ، وكذلك كان حكم كفالة مريم عليها السلام ، وغيرُ جَائز وقوع التراضي على نقل الحرية عمن وقعت عليه .