( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون44 ) .
( ذلك ) إشارة إلى ما سبق ( من أنباء الغيب ) أي من الأنباء المغيبة عنك ( نوحيه إليك ) مطابقا لما في كتابهم .وتذكير الضمير في ( نوحيه ) بجعل مرجعه ذلك ( وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ) أي وما كنت معاينا لفعلهم وما جرى من أمرهم في شأن مريم إذ يلقون أقلامهم أي سهامهم التي جعلوا عليها علامات يعرف بها من يكفل مريم على جهة القرعة ( وما كنت لديهم إذ يختصمون ) بسببها تنافسا في كفالتها .وقد روي عن قتادة وغيره أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم .فأيهم ثبت في جرية الماء فهو كافلها .فألقوا أقلامهم ،فاحتملها الماء إلا قلم زكريا ،فإنه ثبت ،ويقال إنه ذهب صاعدا يشق جرية الماء –والله اعلم- قال أبو مسلم:معنى يلقون / أقلامهم ،مما كانت الأمم تفعله في المساهمة عند التنازع فيطرحون منها ما يكتبون عليها أسماءهم ،فمن خرج له السهم سلم له الأمر ،وقد قال الله تعالى:( فساهم فكان من المدحضين ) ،وهو شبيه بأمر القداح التي تتقاسم بها العرب لحم الجزور .وإنما سميت هذه السهام أقلاما لأنها تقلم وتبرى ،وكل ما قطعت منه شيئا بعد شيء فقد قلمته ،ولهذا السبب يسمى ما يكتب به قلما .وقال السيوطي في ( الإكليل ):هذه الآية أصل في استعمال القرعة عند التنازع .وقال بعض مفسري الزيدية:ثمرة الآية أنه يجوز التخاصم لطلب الفضل حتى يتميز واحد بمزية ،ودلت على أن التمييز يحصل بالقرعة في الأمر الملبس .
لطيفة:
قال الزمخشري:فإن قلت:لم نفيت المشاهدة ،وانتفاؤها معلوم بغير شبهة ،وترك نفي استماع الأنباء من حفاظها ،وهو موهوم ؟ قلت:كان معلوما عندهم علما يقينا أنه ليس من أهل السماع والقراءة ،وكانوا منكرين للوحي ،فلم يبق إلا المشاهدة ،وهي في غاية الاستبعاد والاستحالة ،فنفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي ،مع علمهم بأنه لا سماع له ولا قراءة .ونحوه:( وما كنت بجانب الغربي ) ،( وما كنت بجانب الطور ) ،( وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم ) –انتهى- وبالجملة ،فالنفي تقرير وتحقيق لكون تلك الأنباء وحيا على طريقة التهكم بمنكريه .