قوله تعالى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } . حدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل في قوله : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } قال : كنت مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفر ، فأصبحتُ يوماً قريباً منه ونحن نسير ، فقلت : يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار ! قال : " لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ الله عَلَيْهِ ، تَعْبُدُ الله ولا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وتُقِيمُ الصَّلاَةَ وتُؤْتي الزَّكَاةَ وتَصُومُ رَمَضَانَ وتَحُج البَيْتَ " ثم قال : " أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابٍ مِنَ الخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ والصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيَّةَ وصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ " ، ثمَّ قرأ : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } حتى بلغ : { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ، ثم قال : " أَلاَ أُخْبِرُكَ برَأْسِ الأمْرِ وعَمُودَهُ وذُرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ " قلت : بلى يا رسول الله ! قال : " رَأْسُهُ الإِسْلامُ وعَمُودُهُ الصَّلاةُ وذُرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله " ، ثم قال : " أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ " قلت : بلى يا رسول الله ! فأخذ بلسانه فقال : " اكْفُفْ عَلَيْكَ هَذا ! " قلت : يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ قال : " ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا مُعَاذُ وَهَلْ يُكَبُّ النَّاسُ على وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاّ حَصَائِدَ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ " .
وحدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال : حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال : حدثنا عبدالرزاق عن معمر قال : تلا قتادة : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } ، قال : " قَالَ الله تَعَالَى : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ " . وروى أبو إسحاق عن أبي عبيدة عن عبدالله قال : " للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " ، ثم تلا : { فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } .
ورُوي عن مجاهد وعطاء : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } قالا : " العشاء الآخرة " . وقال الحسن : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } " كانوا ينتقلون بين المغرب والعشاء " . وقال الضحاك في قوله : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وطَمَعاً } : " أنهم يذكرون الله بالدعاء والتعظيم " .
وقال قتادة : " خوفاً من عذاب الله وطمعاً في رحمة الله " { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } " في طاعة الله " .