قوله تعالى : { مَا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ } . رُوي عن ابن عباس روايةً : " أنه كان رجل من قريش يُدْعى ذا القلبين من دهائه " ؛ وعن مجاهد وقتادة مثله . وعن ابن عباس أيضاً : " كان المنافقون يقولون : لمحمد صلى الله عليه وسلم قلبان ، فأكذبهم الله تعالى " .
وقال الحسن : " كان رجل يقول : لي نفس تأمرني ونفس تنهاني ، فأنزل الله فيه هذا " . ورُوي عن مجاهد أيضاً : " أن رجلاً من بني فِهْرٍ قال : في جوفي قلبان أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ، فكذبه الله عز وجل " .
وذكر أبو جعفر الطحاوي أنه لم يُرْوَ في تفسيرها غير ما ذكرنا ، قال : وحكى الشافعي عن بعض أهل التفسير ممن لم يُسَمِّه في احتجاجه على محمد في نفي أن يكون الولد من رجلين أنه أُريد بها : ما جعل الله لرجل من أبوين في الإسلام . قال أبو بكر : اللفظ غير محتمل لما ذكر ؛ لأن القلب لا يعبَّر به عن الأب لا مجازاً ولا حقيقة ، ولا ذلك اسم له في الشريعة ، فتأويل الآية على هذا المعنى خطأ من وجوه . وقد رَوَى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى جارية مُجِحّاً فقال : " لِمَنْ هَذِهِ الجَارِيَةُ ؟ " فقالوا : لفلان ، فقال : " أَيَطَؤُها ؟ " قالوا : نعم ، قال : " لَقَدْ هَمَمْتُ أن أَلْعَنَهُ لَعْنَةَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مَعَهُ في قَبْرِهِ ، كَيْفَ يُورِثُهُ وهو لا يَحِلُّ لَهُ ! أَمْ كَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وقَدْ غَذَاهُ في سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ! " فقوله : " قد غذاه في سمعه وبصره " يدل على أن الولد يكون من ماء رجلين . وقد رُوي عن عليّ وعمر إثبات نسب الولد من رجلين ، ولا يُعرف عن غيرهما من الصحابة خلافه .
وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } . قال أبو بكر : كانوا يظاهرون من نسائهم فيقولون انتِ عليَّ كظهر أمي ، فأخبر الله تعالى أنها لا تصير بمنزلة أمه في التحريم ، وجعل هذا القول منكراً من القول وزوراً بقوله تعالى : { وإنهم ليقولون منكراً من القول وزوراً } [ المجادلة : 2 ] وألزمه بذلك تحريماً ترفعه الكفارة ، وأبطل ما أوجبه المظاهر من جعله إياها كالأمّ لأن تحريمها تحريم مؤبَّد .
وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } ؛ قيل : إنه نزل في زيد بن حارثة وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنّاه ، فكان يقال له زيد بن محمد ؛ ورُوي ذلك عن مجاهد وقتادة وغيرهما . قال أبو بكر : هذا يوجب نَسْخَ السنّة بالقرآن ؛ لأن الحكم الأوّل كان ثابتاً بغير القرآن ونسخه بالقرآن .
وقوله تعالى : { ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بأَفْوَاهِكُمْ } يعني أنه لا حكم له وإنما هو قول لا معنى له ولا حقيقة .