{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللاتي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذالكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل( 4 ) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا ءاباؤهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما( 5 )}
المفردات:
جعل : خلق .
تظاهرون : الظهار قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي يريد بذلك تحريمها كما تحرم الأم .
أدعيائكم : جمع دعي ،والمراد به هنا الابن بالتبني وقد كانت تجري عليه أحكام الابن في الجاهلية وصدر الإسلام .
السبيل : الطريق .
التفسير:
{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعيائكم أبناءكم ذالكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل}
تمهيد:
ورد في أسباب النزول وفي تفسير القرطبي وابن كثير وغيرهما أن هذه الآية عالجت ما كان متفشيا في الجاهلية من أخطاء ومن هذه الأخطاء أن الظهار وهو قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي .يحرم الزوجة فتحرم عليه كما تحرم الأم وقد بين القرآن أن هذا عدوان وتحريم للحلال فالزوجة أحلها الله للإنسان فلا يجوز أن يحرمها كما تحرم عليه الأم فالأم تجب طاعتها والبر بها والزوجة يحل الاستمتاع بها .
وكان الرجل في الجاهلية إذا أعجبه إنسان لظرفه ونبله ألحقه بنسبه فقال:هذا ابني ويرثني فيصبح له حكم الابن في الميراث وفي حق' النسب إلى أبيه المدعى ،ولا يجوز للأب المدعى أن يتزوج امرأة ابنه بالتبني وقد أراد القرآن إبطال هذه العادة المستحكمة في الجاهلية واختار القرآن محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون قدوة عملية في ذلك .
قصة زيد بن حارثة
كان زيد بن حارثة مسببا من الشام سبته خيل من تهامة فاشتراه حكيم بن حزام بن خويلد فوهبه لعمته خديجة ،فوهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم فأقام عنده مدة ،ثم جاء عمه وأبوه يرغبان في فدائه فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم"خيراه فغن اختاركما فهو لكما دون فداء "فاختار زيد بن حارثة الرق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: هذا الرجل ما رأيت منه إلا خيرا وأنا أفضله على أبي وعمي فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم تعلقه به قال:"يا معشر الناس اشهدوا أن زيد بن حارثة ابني يرثني وأرثه "فرضي بذلك أبوه وعمه وكان يدعى زيد بنم محمد فلما حرم الله نسبة الولد إلى غير أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم له:"أنت زيد بن حارثة ابن شراحيل ".
من تفسير القرطبي
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى:
{ما جعل الله لرجل قلبين في جوفه ...} عن الواحدي والقشيري وغيرهما: نزلت في جميل بن معمر الفهري وكان رجلا حافظا لما يسمع فقالت قريش: ما يحفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان وكان يقول: لي قلبان أعقل بهما أفضل من عقل محمد ،فلما هزم المشركون يوم بدر ومعهم جميل بن معمر رآه أبو سفيان في العير وهو معلق إحدى نعليه في يده ،والأخرى في رجله فقال أبو سفيان: ما حال الناس ؟قال انهزموا قال: فما بال إحدى نعليك في يدك ،والأخرى في رجلك قال: ما شعرت إلا أنهما في رجلي فعرفوا يومئذ أنه لو كانا له قلبان لما نسي نعله في يده .أه .
وقال ابن عباس: سببها أن بعض المنافقين قال: إن محمدا له قلبان لأنه ربما كان في شيء فنزع في غيره نزعة ،ثم عاد إلى شانه الأول فقالوا ذلك عنه فأكذبهم الله عز وجل . 3
{ما جعل الله لرجل من قلبين في جوعه ...} خلق الله الإنسان وله اتجاه ومنهج وطريق يسير عليه فمن اختار الإسلام والإيمان والهداية سار في هذا الطريق ومن اختار الضلال أو الكفر أو النفاق سار في طريقه ومن أمثلة العرب: ( إنك لا تجني من الشوك العنب ) فالمؤمن يصدر عنه السلوك المستقيم والكافر يصدر عنه أفعال الكفر والضلال .
فلم يخلق الله لرجل قلبين في جوفه ،يكون في أحدهما إيمان وفي الآخر كفر بل الإنسان له قلب واحد فإذا اعتنق التقى والهدى ظهر ذلك في سلوكه وإذا اعتنق الفسوق والكفر ظهر ذلك في سلوكه .
قال صلى الله عليه وسلم"إن النور إذا دخل القلب اتسع له الصدر وانشرح قيل يا رسول الله هل لذلك من علامة ؟قال"نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود ،والاستعداد للموت قبل نزول الموت "4 ثم تلا قوله تعالى: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ...( الزمر: 22 ) .
{وما جعل أزواجكم اللائي يظاهرون منهن أمهاتكم ...} كان الرجل إذا قال لامرأته:أنت علي كظهر أمي حرمت عليه على التأبيد فرسم القرآن طريقا جعل الطلاق مؤقتا بأن يعتق المظاهر رقبة ،فإن لم يجد صام ستين يوما فإن لم يجد أطعم ستين مسكينا قبل أن يقرب زوجته .
كما بين القرآن الكريم ان هناك فرقا بين الأم والزوجة فالأم تجب طاعتها والبر بها والزوجة أحل الله الاستمتاع بها واوجب لها حسن العشرة ،وحين يقول الرجل لامرأته:أنت علي كظهر أمي لا تتحول إلى أم ولا تكون الزوجة التي ظاهر منها زوجها مثل الأم .
وما جعل الولد المدعى مثل الابن لأنه ليس ابنا صلبيا وأجمع أهل التفسير على أن هذه الآية نزلت في زيد بن حارثة وقد أبطل الله هذا الإلحاق الوهمي وهذا النسب المزعوم بهذه الآية وبقوله تعالى:{ما كانا محمدا أبا أحد من رجالكم ...} ( الأحزاب: 40 ) .
وهذا هو المقصود بالنفي قدم الله له نفي أمر حسي معروف وهو ازدواج القلب ثم أردفه بنفي أمرين معنويين هما: اجتماع الزوجية مع الظهار والتبني مع النسب فالثلاثة باطلة لا حقيقة لها .
{ذالكم قولكم بأفواهكم ...} هذا كلام تدعونه ليس له أساس في الواقع فليس لرجل من قلبين في جوفه والزوجة لن تكون أما والابن الدعى لن يكون ابنا حقيقيا هذه دعاوى بألسنتكم وأفواهكم لا واقع لها .
{والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ...} والله هو الذي يقرر الصدق والعدل ويرشد إلى السبيل القويم الصحيح فدعوا قولكم وخذوا بقوله عز وجل .
جاء في صفوة التفاسير للأستاذ محمد علي الصابوني ما يأتي: والغرض من الآية التنبيه على بطلان مزاعم الجاهلية فكما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه فكذلك لا يمكن أن تصبح الزوجة المظاهر منها أما ،ولا الولد المتبني ابنا لأن الأم الحقيقة هي التي ولدته والابن الحقيقي هو الذي ولد من صلب الرجل فكيف يجعلون الزوجات المظاهر منهن أمهات ؟وكيف يجعلون أبناء الآخرين أبناء لهم مع أنهم ليسوا من أصلابهم ؟ 5