قوله تعالى : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } ؛ هو أن يكون تصرفه مقصوراً على مراد أمره ؛ وهو نظير الائتمام ، وهو أن يأتم به في اتباع مراده وفي فعله غير خارج عن تدبيره .
فإن قيل : هل يكون فاعل المباح متَّبعاً لأمر الله عز وجل ؟ قيل له : قد يكون متبعاً إذا قصد به اتباع أمره في اعتقاد إباحته وإن لم يكن وقوع الفعل مراداً منه ، وأما فاعل الواجب فإنه قد يكون الاتّباع في وجهين ، أحدهما : اعتقاد وجوبه ، والثاني : إيقاع فعله على الوجه المأمور به ، فلما ضارع المباح الواجب في الاعتقاد إذ كان على كل واحد منهما وجوب الاعتقاد بحكم الشيء على ترتيبه ونظامه في إباحة أو إيجاب جاز أن يشتمل قوله : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } على المباح والواجب .
مطلب : لا يجوز الاعتراض على حكم القرآن بأخبار الآحاد
وقوله : { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } دليل على وجوب اتباع القرآن في كل حال وأنه غير جائز الاعتراض على حكمه بأخبار الآحاد ؛ لأن الأمر باتباعه قد ثبت بنصّ التنزيل ، وقبول خبر الواحد غير ثابت بنص التنزيل ، فغير جائز تركه ؛ لأن لزوم اتّباع القرآن قد ثبت من طريق يوجب العلم وخبر الواحد يوجب العمل فلا يجوز تركه ولا الاعتراض به عليه . وهذا يدلّ على صحة قول أصحابنا في أن قول من خالف القرآن في أخبار الآحاد غير مقبول ؛ وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَا جَاءَكُمْ مِنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ الله ، فما وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَهُوَ عَنِّي وَما خَالَفَ كِتَابَ الله فَلَيْسَ عَنِّي " . فهذا عندنا فيما كان وروده من طريق الآحاد ، فأما ما ثبت من طريق التواتر فجائز تخصيص القرآن به وكذلك نسخه قوله : { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } [ الحشر : 7 ] فما تيقّنا أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قاله فإنه في إيجاب الحكم بمنزلة القرآن ، فجائز تخصيص بعضه ببعض وكذلك نسخه .