قوله تعالى : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ } أمر الله تعالى المؤمنين في هذه الآية بإعداد السلاح والكُرَاع قبل وقت القتال إرهاباً للعدو والتقدم في ارتباط الخيل استعداداً لقتال المشركين . وقد رُوي في القوة أنها الرمي ، حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا عبدالله بن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي علي ثمامة بن شُفَيّ الهمداني أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول : " وأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ ألا إنّ القُوَّةَ الرَّمْيُ ألا إنّ القُوَّةَ الرَّمْيُ " . وحدثنا عبدالباقي بن قانع قال : حدثنا إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا فضل بن سحتب قال : حدثنا ابن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن عمرو عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ارْمُوا وارْكَبُوا ، وأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا ، وكُلُّ لَهْوِ المُؤْمِنِ بَاطِلٌ إِلاّ رَمْيهُ بِقَوْسِهِ أو تَأْدِيبهُ فَرَسَهُ أو مُلاعَبَتهُ امْرأَتَهُ فإنّهنّ مِنَ الحَقِّ " . وحدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : حدثنا عبدالله بن المبارك قال : حدثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنّ الله يُدْخِلُ بالسَّهْمِ الوَاحِدِ ثَلاثَةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ ! صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ في صَنْعَتِهِ الخَيْرَ ، والرَّامي بهِ ، ومُنْبِلَهُ ؛ وارْمُوا وارْكَبُوا وأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا ، لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ ثَلاثَةٌ : تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ ومُلاعَبَتُهُ أَهْلَهُ ورَمْيُهُ بقَوْسِهِ ونَبْلِهِ ، ومَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَمَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ فَإِنّها نِعْمَةٌ تَرَكَهَا " أو قال : " كَفَرَهَا " . وحدثنا عبدالباقي قال : حدثنا حسين بن إسحاق قال : حدثنا المغيرة بن عبدالرحمن قال : حدثنا عثمان بن عبدالرحمن قال : حدثنا الجراح بن منهال عن ابن شهاب عن أبي سليمان مولى أبي رافع عن أبي رافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مِنْ حَقِّ الوَلَدِ عَلى الوَالِدِ أَنْ يُعَلِّمَهُ كِتَابَ الله والسِّبَاحَةَ والرَّمْيَ " . ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم : " ألا إنّ القُوَّةَ الرَّمْيُ " أنه من معظم ما يجب إعداده من القوة على قتال العدو ، ولم يَنْفِ به أن يكون غيره من القوة ، بل عموم اللفظ شامل لجميع ما يُستعان به على العدو من سائر أنواع السلاح وآلات الحرب . وقد حدثنا عبدالباقي قال : حدثنا جعفر بن أبي القتيل قال : حدثنا يحيى بن جعفر قال : حدثنا كثير بن هشام قال : حدثنا عيسى بن إبراهيم الثمالي عن الحكم بن عمير قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نحفي الأظفار في الجهاد وقال : " إِنَّ القُوَّةَ في الأَظْفَارِ " ، وهذا يدل على أن جميع ما يقوّي على العدو فهو مأمور باستعداده . وقال الله تعالى : { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة } [ التوبة : 46 ] فذمهم على ترك الاستعداد والتقدم قبل لقاء العدو .
وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ارتباط الخيل ما يواطىءُ معنى الآية ، وهو ما حدثنا عبدالباقي بن قانع قال : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري قال : حدثنا أحمد بن عمر قال : حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة عن عبيد بن أبي حكيم الأزدي عن الحصين بن حرملة المهري عن أبي المصبح قال : سمعت جابر بن عبدالله يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الخَيْرُ والنَّيْلُ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ وأصْحَابُها مُعَانُونَ ، قَلِّدُوها ولا تُقَلِّدُوها الأوْتَارَ " . قال أبو بكر : بيّن في الخبر الأول أن الخير هو الأجر والغنيمة ، وفي ذلك ما يوجب أن ارتباطها قربة إلى الله تعالى ، فإذاً أريد به الجهاد ؛ وهو يدل أيضاً على بقاء الجهاد إلى يوم القيامة إذ كان الأجر مستحقّاً بارتباطها للجهاد في سبيل الله عز وجل . وقوله صلى الله عليه وسلم : " ولا تُقَلِّدُوها الأوْتَارَ " قيل فيه معنيان ، أحدهما : خشية اختناقها بالوتر ، والثاني : أن أهل الجاهلية كانوا إذا طلبوا بالأوتار والذّحول قلّدوا خيلهم الأوتار يدلّون بها على أنهم طالبون بالأوتار مجتهدون في قتل من يطلبونهم بها ، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم الطلب بذحول الجاهلية ؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " ألا إنَّ كُلَّ دَمٍ ومَأْثَرَةٍ فَهُوَ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ وأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دَمَ رَبِيعَةَ بْنِ الحَارِثِ " .