قوله تعالى : { لا يحِلُّ لَكُم أنْ تَرِثوا النساءَ كرْهاً } الآية [ 19 ] : ذكر ابن عباس في هذه الآية أنه إذا مات الرجل ، كان أولياؤه أحق بامرأته من ولي نفسها ، إن شاء بعضهم تزوجها ، وإن شاءوا زوجوها ، وإن شاءوا لم يزوجوها ، فنزلت هذه الآية في ذلك ، فكانوا يورثون وارثه المال ، وكان من الطاعة منهم أن يلقي أقرب الناس إليه عليها ثوباً فيرث نكاحها ، فمات ابن عامر ، زوج كبشة بنت عامر ، فجاء ابن عامر من غيرها ، فألقى عليها ثوباً فلم يقربها ولم ينفق عليها ، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : { لا يحِلُّ لَكُم أن ترِثُوا النِّساء كَرْهاً } .
وقوله : { ولا تَعْضُلوهُنَّ لِتَذهَبوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ{[784]} } : أمر للأزواج بتخلية سبيلها ، إذا لم يكن فيها حاجة ، فلا يضرّ بها في إمساكها حتى تضجر ، فتفتدى ببعض مالها{[785]} ، كذا فسره ابن عباس . وقال الحسن : هو نهي لولي الزوج الميت أن يمنعها من التزويج على ما كان عليه أمر الجاهلية .
وقوله تعالى : { إلاَّ أنْ يأتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ } : يحتمل زناها الذي يجوز للرجل من أجله أن يهجرها ويزجرها ، ويجوز أن يكون نشوزها ، فهذا معنى الآية ، وشرحنا أحكام الخلع في سورة البقرة .
وذكر عطاء الخراساني أن الرجل كان إذا أصابت امرأته فاحشة ، أخذ ما ساق إليها وأخرجها ، فنسخ ذلك . وقال زيد بن أسلم في هذه الآية : { لا يِحِلُّ لَكُم أن تَرِثوا النِّساءَ كَرْهاً } : كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية ، ورث امرأته من يرث ماله ، فكان يعضلها حتى يتزوجها أو يزوجها من أراد ، فكان أهل تهامة يسيء الرجل صحبة امرأته حتى يطلقها ، ويشترط عليها ألا تنكح من أراد حتى تفتدى منه ببعض ما أعطاها ، فنهى الله المؤمنين عن ذلك . قال زيد : وأما قوله : { إلاَّ أنْ يَأتِينَ بفاحِشّةٍ مُبَيّنَةٍ } ، فإنه كان في الزنا ثلاثة أنحاء وقال : { ولا تَقْرَبوا الزِّنا إنّه كانَ فاحِشَةٍ{[786]} } ، فلم ينته الناس ، ثم نزل : { واللاّتي يأتِينَ الفاحِشَةُ مِنْ نِسائِكُم } إلى قوله : { أو يجْعَلَ اللهُ لهُنَّ سبيلاً } : كانت المرأة الثيب إذا زنت فشهد عليها أربعة ، عضلت فلم يتزوجها أحد ، فهي التي قال الله عز وجل : { وَلا تَعْضُلوهُنَّ إلاَّ أن يَأتِينَ بفاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ } ، قال زيد : ثم نزلت : { وَاللّذانِ يأتِيانها مِنكُم فآذوهُما } : فهذان البكران اللذان لم يتزوجا ، فآذوهما أن يعرفا بذنبهما فيقال : يا زان ، يا زانية ، حتى يرى منهما توبة ، حتى نزل السبيل فقال : { الزَّانِيةُ والزَّاني فاجلِدوا كُلَّ واحدٍ مِنهُما مائةَ جلْدَة{[787]} } ، فهذا للبكرين ، فقال زيد : وكان للثيب الرجم .
وفي الذي ذكره زيد جواب عن قول القائل : إن قوله : " فآذوهما " يجب أن يكون الحبس ، فإن التعزير إذا أقيم وجب الإعراض عنه ، فإنه قال : معنى الإيذاء له أن يعرف بالفاحشة تعبيراً فيقال : يا زانِ ، يا زانية ، إلى أن يتوبا فيسقط التعيير .
قوله تعالى : { وعاشِروهُنَّ بالمَعْرُوفِ } : معناه مثل معنى قوله : { فإمساكٌ بمَعْروُفٍ } ، وذلك توفية حقها من المهر والنفقة ، وأن لا يعبس في وجهها بغير ذنب ، وأن يكون مطلقاً في القول ، لا فظاً ولا غليظاً ، ولا مظهر ميلاً إلى غيرها .
قوله تعالى : { فإن كَرِهتُموهُنَّ فَعَسى أن تَكْرَهوا شَيْئاً ويجْعَل اللهُ فيهِ خيراً كثيراً } : بيان استحباب الإمساك بالمعروف ، وإن كان على خلاف هوى النفس ، وفيه دليل على أن الطلاق مكروه .