قوله تعالى : { لَئنْ بَسَطتَ إليَّ يَدَكَ لِتَقتُلَنِي مَا أنَا بِبَاسِطٍ يَدَيَّ إلَيكَ لأَقتُلَكَ{[1157]} } : قد قيل : معناه لئن بدأتني بقتل لم أبدأك به ، لا أنه يدفعه عن نفسه إذا قصد قتله . وقد قيل : إنه قتله غيلة ، بأن ألقى عليه صخرة وهو نائم فشدخه بها . وقيل : إنه كان من مذهبهم ، أن من أراد قتل غيره لم يكن للمقصود دفعة ولا قتله ، بل يتركه ولا يدفعه ، وذلك مما يجوز ورود التعبدية ، إلا أن في شرعنا يجوز له دفعه إجماعاً .
وفي وجوب ذلك عليه خلاف ، فالأصح وجوب ذلك لما فيه من النهي عن المنكر ، وفي الحشوية قوم لا يجوزون للمصول عليه للدفع ، وتأولوا عليه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : " كيف بك يا أبا ذر إذا كان في المدينة قتل ؟ فقال : ألبس سلاحي ، فقال : شاركت القوم إذاً ، قال : فقلت : كيف أصنع ؟ فقال : إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فالق ناحية ثوبك على وجهك لئلا تبوء بإثمه وإثمك{[1158]} " ، والمراد بهذا الحديث عند المتأملين ، ترك القتال في الفتنة وكف اليد عند الشبهة ، فأما قتل من استحق القتل ، فمعلوم أن الشرع لم يرده بذلك .
وبالجملة لو جاز الإمساك عنه حتى يقتل من أراد قتله ، لوجب مثله في المحظورات كلها ، فيكون في ذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستيلاء الفساق والظلمة .
والذي يخالف ذلك يقول : ذلك إذا كان الأمر بالمعروف غير مؤد إلى قتل وشهر سلاح ، فأما إذا كان يؤدي إلى ذلك فلا ، ويفوض المقتول أمره إلى الله عز وجل ، إذا كان يعلم أنه لو كان وجه دفعه بأسهل شيء من غير أن يخشى على نفسه فلا يجوز ، فأما إذا كان الأمر عل الخطّر واحتمال أن يقتلا جميعاً ، فهو موضع الاحتمال وترديد القول .