قوله تعالى : { إنّمَا حَرَّمَ رَبِّي الفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } ، الآية :[ 33 ] :
اعلم أن الفواحش في اللغة ، تقع على كل قبيح بولغ في نعْتِه بالقبح ، ولذلك يقال قبيح فاحش .
وفي الآية ما يمنع من إجرائه على الفواحش كلها ، فإنه ذكر الإثم والبغي ، فدل على أن المراد بالفواحش بعضها ، وإذا كان كذلك فالظاهر من الفواحش الزنا ، ليصح أن يعطف عليه الإثم ، والإثم لا يمكن حمله هاهنا على كل معصية صغيرة وكبيرة ، فإن ذلك يمنع العطف ، بل المراد به شرب الخمر ، لقوله تعالى : { قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبيِرٌ{[1321]} } ، وأما البغي بغير الحق فهو التطاول على الناس .
وقد قيل : ذكر الفواحش ، والمراد بها الكبائر ، وذكر الإثم ، والمراد به صغائرها ، ثم عطف على الأمرين ما يدخل فيهما ، وهو البغي بغير الحق ، والمعنى به أن يتجاوز في طلب الأمر ، الحدّ الذي يحسُنُ ، فيوصف عنده أنه بغي ، لأن الأصل في البغي الطلب ، ثم جعل للطلب المذموم ، فدخل في الآية كل أنواع الظلم والبغي على الناس ، والانقياد بغير حق ، ثم حرم اتباع ما لا دليل عليه ، والقول بما لا نعلم صحته ، فدخل في ذلك قبح التمسك بالمذاهب ، وقبح اتباع ما لا يجب اتباعه ، فجمعت الآية المحرمات ، كما جمع ما قبلها المحللات في قوله : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الّتي أَخْرَجَ لِعِبَادِه والطّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ{[1322]} } ، مع ما فيه من تحريم الإسراف فيه ، ولما حرم المحرمات نبه على اتباع الحجج والأدلة لكي يكون المكلف متحرزاً في أمر دينه ودنياه .