الْآيَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ } .
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ :
المسألة الْأُولَى : ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي النَّعِيمِ أَقْوَالًا كَثِيرَةً ، لُبَابُهَا خَمْسَةٌ :
الْأُولَى : الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ .
الثَّانِي : السَّلَامَةُ .
الثَّالِثُ : لَذَّةُ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ ؛ قَالَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ .
الرَّابِعُ : الْغَدَاءُ وَالْعَشَاءُ ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ .
الْخَامِسُ : شِبَعُ الْبَطْنِ ، وَشُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ .
المسألة الثَّانِيَةُ : تَحْقِيقُ النَّعِيمِ مِنْ النِّعَمِ ، وَبِنَاءُ ( نَ عَ مَ ) لِلْمُوَافَقَةِ ، وَأَعْظَمُهَا مُوَافَقَةً مَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رِوَايَةِ كَادِحِ بْنِ رَحْمَةَ أَنَّهُ صِحَّةُ الْبَدَن وَطِيبُ النَّفْسِ ، وَقَدْ أَخَذَهُ الشَّاعِرُ ، فَقَالَ :
إذَا الْقُوتُ يَأْتِي لَك وَالصِّحَّةُ وَالْأَمْنُ *** وَأَصْبَحْت أَخَا حُزْنٍ فَلَا فَارَقَك الْحُزْنُ
وَقَدْ كَانَ هَذَا يَتَأَتَّى قَبْلَ الْيَوْمِ ، فَأَمَّا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَإِنَّهُ عَسِيرُ التَّكْوِينِ ، وَقَلِيلُ الْوُجُودِ . وَيَرَى [ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ] أَنَّ مَالِكًا أَخَذَهُ مِنْ حِكَمِ لُقْمَانَ ؛ فَفِيهَا أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ قَالَ لِابْنِهِ : لَيْسَ غِنًى كَصِحَّةٍ ، وَلَا نَعِيمٌ كَطِيبِ نَفْسٍ .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ ، عَن الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَ : «لَمَّا نَزَلَتْ : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ } قَالَ الزُّبَيْرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَنْ أَيِّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ ، وَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ ؟ قَالَ : أَمَا إنَّهُ سَيَكُونُ » .
وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ } قَالَ النَّاسُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ عَنْ أَيِّ النَّعِيمِ نُسْأَلُ ؟ فَإِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ ؛ وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ ، وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا ؟ قَالَ : أَمَا إنَّهُ سَيَكُونُ » .
قَالَ الْقَاضِي : وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ ، نَزَلَتْ بَعْدَ شَرْعِ الْقِتَالِ .
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : بَلَغَنِي «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ الْمَسْجِدَ ، فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَا : أَخْرَجَنَا الْجُوعُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَأَنَا أَخْرَجَنِي الْجُوعُ ؛ فَذَهَبُوا إلَى أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ ، فَأَمَرَ لَهُمْ بِشَعِيرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِلَ ، وَقَامَ فَذَبَحَ لَهُمْ شَاةً ، وَاسْتَعْذَبَ لَهُمْ مَاءً ، فَعُلِّقَ فِي نَخْلَةٍ ، ثُمَّ أُتُوا بِذَلِكَ الطَّعَامِ ، فَأَكَلُوا مِنْهُ ، وَشَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتُسْأَلُنَّ عَنْ نَعِيمِ هَذَا الْيَوْمِ » .
قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَالْحَدِيثُ مُسْنَدٌ مَشْهُورٌ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا ، وَهَذَا نَعِيمُ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ ، وَأَصْلُهُ الَّذِي لَا تَنَعُّمَ فِيهِ جِلْفُ الْخُبْزِ وَالْمَاءِ ، «وَحَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ » ، هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَدْ يَكُونُ النَّعِيمُ فِي الْخَادِمِ كَمَا حَدَّثَ الْهُجَيْعُ بْنُ قَيْسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِيلَ لَهُ : مَا يَكْفِي ابْنَ آدَمَ مِن الدُّنْيَا ؟ قَالَ : مَا أَشْبَعَ جَوْعَتَك ، وَسَتَرَ عَوْرَتَك ؛ فَمَنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ فَهُنَاكَ النَّعِيمُ ، فَهُنَاكَ النَّعِيمُ » .
وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : «إنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِن النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ : أَلَمْ أَصِحَّ جِسْمَك ؟ أَلَمْ أَرْوِك مِنْ الْمَاءِ الْبَارِدِ » . خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ : إنَّ «أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيْهَانِ قَالَ : إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ ، فَإِذَا هُوَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ ، فَعَمَدَ نَحْوَهُ ، فَوَقَفَ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عُمَرُ عَلَيْهِ السَّلَامَ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَ : وَأَنْتَ مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَنَا سَأَلْت قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي . قَالَ : أَخْرَجَنِي الْجُوعُ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَأَنَا أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَك . فَجَلَسَا يَتَحَدَّثَانِ ، فَطَلَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَمَدَ نَحْوَهُمَا حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمَا ، فَسَلَّمَ فَرَدَّا عَلَيْهِ السَّلَامَ فَقَالَ : مَا أَخْرَجَكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ فَنَظَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلَّا يَكْرَهُ أَنْ يُخْبِرَهُ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : خَرَجَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَخَرَجْت بَعْدَهُ ، فَسَأَلْته مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتَ مَا أَخْرَجَك هَذِهِ السَّاعَةَ ؟ فَقُلْت : أَنَا سَأَلْتُك قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَنِي . قَالَ : أَخْرَجَنِي الْجُوعُ . قَالَ : فَقُلْت لَهُ : أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَك . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَأَنَا أَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا . قَالَ : ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : تَعْلَمَانِ مِنْ أَحَدٍ نُضِيفُهُ الْيَوْمَ ؟ قَالَا : نَعَمْ ، أَبُو الْهَيْثَمِ بْنِ التَّيْهَانِ حَرِيٌّ إنْ جِئْنَاهُ أَنْ نَجِدَ عِنْدَهُ فَضْلًا مِنْ تَمْرٍ ، يُعَالِجُ جِنَانَهُ هُوَ وَامْرَأَتُهُ لَا يَبِيعَانِ مِنْهُ شَيْئًا . قَالَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَاهُ حَتَّى دَخَلُوا الْحَائِطَ ، فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَسَمِعَتْ أُمُّ الْهَيْثَمِ تَسْلِيمَهُ فَفَدّتْهُ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ ، وَأَخْرَجَتْ حِلْسًا لَهَا مِنْ شَعْرٍ ، فَطَرَحَتْهُ ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْنَ أَبُو الْهَيْثَمِ ؟ قَالَتْ : ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنْ الْمَاءِ . قَالَ : فَطَلَعَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِالْقِرْبَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّخْلِ أَسْنَدَهَا إلَى جِذْعٍ ، وَأَقْبَلَ يَفْدِي بِالْأَبِ وَالْأُمِّ ، فَلَمَّا رَأَى وُجُوهَهُمْ عَرَفَ الَّذِي بِهِمْ . فَقَالَ لِأُمِّ الْهَيْثَمِ : هَلْ أَطْعَمْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ شَيْئًا ؟ فَقَالَتْ : إنَّمَا جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّاعَةَ . قَالَ : فَمَا عِنْدَك ؟ قَالَتْ : عِنْدِي حَبَّاتٌ مِنْ شَعِيرٍ . قَالَ : كَرْكِرِيهَا وَاعْجِنِي ، وَاخْبِزِي ، إذْ لَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ الْخَمِيرَ . وَأَخَذَ شَفْرَةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إيَّاكَ وَذَوَاتِ الدَّرِّ .
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّمَا أُرِيدُ عَنَاقًا فِي الْغَنَمِ . قَالَ : فَذَبَحَ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَاهُ ، قَالَ : فَشَبِعُوا شِبْعَةً لَا عَهْدَ لَهُمْ بِمِثْلِهَا ، فَمَا مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا يَسِيرًا ، حَتَّى أُتِيَ بِأَسِيرٍ مِنْ الْيَمَنِ ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْكُو إلَيْهِ الْعَمَلَ وَتُرْبَةَ يَدِهَا ، وَتَسْأَلُهُ إيَّاهُ . قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ أعْطِيهِ أَبَا الْهَيْثَمِ ، فَقَدْ رَأَيْت مَا لَقِيَهُ هُوَ وَمِريّتُهُ يَوْمَ ضِفْنَاهُمْ . قَالَ : فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ ، فَقَالَ : خُذْ هَذَا الْغُلَامَ يُعِينُك عَلَى حَائِطِك ، وَاسْتَوْصِ بِهِ خَيْرًا . قَالَ : فَمَكَثَ الْغُلَامُ عِنْدَ أَبِي الْهَيْثَمِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا غُلَامُ ، لَقَدْ كُنْت مُسْتَقِلًّا وَأَنَا وَصَاحِبَتِي بِحَائِطِنَا ، اذْهَبْ ، فَلَا رَبَّ لَك إلَّا اللَّهُ . قَالَ : فَخَرَجَ الْغُلَامُ إلَى الشَّامِ » .
وَرَوَى «عِكْرَاشُ بْنُ ذُؤَيْبٍ : قَالَ بَعَثَنِي بَنُو مُرَّةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِصَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِمْت عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدْته جَالِسًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَالَ : ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إلَى بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقَالَ : هَلْ مِنْ طَعَامٍ ؟ فَأَتَيْنَا بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَدَكِ ، وَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا ، فَخَبَطْت بِيَدِي فِي نَوَاحِيهَا ، وَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ، فَقَبَضَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى ، ثُمَّ قَالَ : يَا عِكْرَاشُ ؛ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ، فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ . ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانُ الرُّطَبِ ؛ أَوْ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ شَكٌّ قَالَ : فَجَعَلْت آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ، وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الطَّبَقِ وَقَالَ : يَا عِكْرَاشُ ؛ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْت ، فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ لَوْنٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ أُتِينَا بِمَاءٍ ، فَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ ، وَمَسَحَ بِبَلَلِ يَدَيْهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَرَأْسَهُ ، وَقَالَ : يَا عِكْرَاشُ ؛ هَذَا الْوُضُوءُ مِمَّا غَيَّرَت النَّارُ » .
وَقَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَوَسَّعَ فِي الطَّعَامِ وَيَتَلَذَّذَ ، وَيُسَمِّيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيَحْمَدَهُ ، وَلَا يَصْرِفَ قُوَّتَهُ الْمُسْتَفَادَةَ بِذَلِكَ فِي مَعْصِيَتِهِ ، فَإِنْ سُئِلَ وَجَذَبَتْهُ سَعَادَتُهُ فَسَيُوَفَّقُ لِلْجَوَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .