الْآيَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } .
قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ : الِاسْتِعْمَارُ طَلَبُ الْعِمَارَةِ ، وَالطَّلَبُ الْمُطْلَقُ مِنْ اللَّهِ عَلَى الْوُجُوبِ .
قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ : تَأْتِي كَلِمَةُ اسْتَفْعَلَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى مَعَانٍ ، مِنْهَا اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى طَلَبَ الْفِعْلَ ، كَقَوْلِهِ : اسْتَحْمَلْت فُلَانًا أَيْ طَلَبْت مِنْهُ حُمْلَانًا .
وَمِنْهَا اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى اعْتَقَدَ ، كَقَوْلِهِمْ : اسْتَسْهَلْت هَذَا الْأَمْرَ ، أَيْ اعْتَقَدْته سَهْلًا ، أَوْ وَجَدْته سَهْلًا ، وَاسْتَعْظَمْته أَيْ اعْتَقَدْته عَظِيمًا .
وَمِنْهَا اسْتَفْعَلَ بِمَعْنَى أَصَبْت الْفِعْلَ ، كَقَوْلِك : اسْتَجْدَتْهُ ، أَيْ أَصَبْته جَيِّدًا ، وَقَدْ يَكُونُ طَلَبْته جَيِّدًا .
وَمِنْهَا بِمَعْنَى فَعَلَ ، كَقَوْلِهِ ، قَرَّ فِي الْمَكَانِ وَاسْتَقَرَّ . وَقَالُوا : إنَّ قَوْلَهُ يَسْتَهْزِئُونَ ، وَيَسْتَحْسِرُونَ مِنْهُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { اسْتَعْمَرَكُمْ } : خَلَقَكُمْ لِعِمَارَتِهَا عَلَى مَعْنَى اسْتَجْدَتْهُ وَاسْتَسْهَلْته ، أَيْ أَصَبْته جَيِّدًا وَسَهْلًا ، وَهَذَا يَسْتَحِيلُ فِي الْخَالِقِ ، فَتَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ خُلِقَ لِأَنَّهُ الْفَائِدَةُ ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الشَّيْءِ بِفَائِدَتِهِ مَجَازًا ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ طَلَبَ مِنْ اللَّهِ ضِمَارَتَهَا ؛ فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ ، أَمَّا إنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ اسْتَدْعَى عِمَارَتَهَا فَإِنَّهُ جَاءَ بِلَفْظِ اسْتَفْعَلَ ، وَهُوَ اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ مِمَّنْ هُوَ دُونَهُ إذَا كَانَ أَمْرٌ ، أَوْ طَلَبَ الْفِعْلَ إذَا كَانَ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى رَغْبَةً ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ .