الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : { وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ من الرَّحْمَةِ } :
الْمَعْنَى تَذَلَّلْ لَهُمَا تَذْلِيلَ الرَّعِيَّةِ لِلْأَمِيرِ ، وَالْعَبِيدِ لِلسَّادَةِ ؛ وَضَرَبَ خَفْضَ الْجَنَاحِ وَنَصْبَهُ مَثَلًا لِجَنَاحِ الطَّائِرِ حِينَ يَنْتَصِبُ بِجَنَاحِهِ لِوَلَدِهِ أَوْ لِغَيْرِهِمْ من شِدَّةِ الْإِقْبَالِ . وَالذُّلُّ هُوَ اللِّينُ وَالْهَوْنُ فِي الشَّيْءِ ، ثُمَّ قَالَ ، وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : { وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } :
مَعْنَاهُ : اُدْعُ لَهُمَا فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ مَمَاتِهِمَا بِأَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ يَرْحَمُهُمَا كَمَا رَحِمَاك ، وَتَرَفَّقْ بِهِمَا كَمَا رَفَقَا بِك ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُجْزِي الْوَالِدَ عَنْ الْوَلَدِ ؛ إذْ لَا يَسْتَطِيعُ الْوَلَدُ كِفَاءً عَلَى نِعْمَةِ وَالِدِهِ أَبَدًا .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : ( لَنْ يَجْزِيَ وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ ) ، مَعْنَاهُ يُخَلِّصُهُ من أَسْرِ الرِّقِّ كَمَا خَلَّصَهُ من أَسْرِ الصِّغَرِ .
وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمَا وَلِيَاهُ صَغِيرًا جَاهِلًا مُحْتَاجًا ، فَآثَرَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا ، وَسَهِرَا لَيْلَهُمَا وَأَنَامَاهُ ، وَجَاعَا وَأَشْبَعَاهُ ، وَتَعَرَّيَا وَكَسَوَاهُ ، فَلَا يُجْزِيهِمَا إلَّا أَنْ يَبْلُغَا من الْكِبَرِ إلَى الْحَدِّ الَّذِي كَانَ هُوَ فِيهِ من الصِّغَرِ ، فَيَلِي مِنْهُمَا مَا وَلِيَا مِنْهُ ، وَيَكُونُ لَهُمَا حِينَئِذٍ عَلَيْهِ فَضْلُ التَّقَدُّمِ بِالنِّعْمَةِ عَلَى الْمُكَافِئِ عَلَيْهَا .
وَقَدْ أَخْبَرَنِي الشَّرِيفُ الْأَجَلُّ الْخَطِيبُ نَسِيبُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاضِي ذُو الشَّرَفَيْنِ أَبُو الْحُسَيْنِ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَبَّاسِ الْحُسَيْنِيُّ بِدِمَشْقَ ، أَنْبَأَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الشِّيرَازِيِّ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، سَمِعْتُهُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ من هَذَا الرَّجُلِ ، وَكَانَ حَافِظًا ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رَيْدَةَ الضَّبِّيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ بِأَصْبَهَانَ قِرَاءَةً ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ الْحَافِظُ الطَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْبَرْدَعِيُّ بِمِصْرَ ، حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عُبَيْدُ بْنُ خَلَصَةَ بِمَعَرَّةِ النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ؛ قَالَ : ( جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنَّ أَبِي أَخَذَ مَالِي . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ : فَأْتِنِي بِأَبِيك . فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُك السَّلَامَ ، وَيَقُولُ لَك : إذَا جَاءَك الشَّيْخُ فَاسْأَلْهُ عَنْ شَيْءٍ قَالَهُ فِي نَفْسِهِ ، مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاهُ ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّيْخُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا بَالُ ابْنِك يَشْكُوك ؟ أَتُرِيدُ أَنْ تَأْخُذَ مَالَهُ ؟ فَقَالَ : سَلْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ أُنْفِقُهُ إلَّا عَلَى إحْدَى عَمَّاتِهِ أَوْ خَالَاتِهِ أَوْ عَلَى نَفْسِي ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إيهٍ دَعْنَا من هَذَا ، أَخْبِرْنِي عَنْ شَيْءٍ قُلْته فِي نَفْسِك مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَاك . فَقَالَ الشَّيْخُ : وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى يَزِيدُنَا بِك يَقِينًا ، لَقَدْ قُلْت فِي نَفْسِي شَيْئًا مَا سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ ، فَقَالَ : قُلْ وَأَنَا أَسْمَعُ . قَالَ : قُلْت :
غَذَوْتُك مَوْلُودًا وَمُنْتُك يَافِعًا *** تَعِلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْك وَتَنْهَلُ
إذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْك بِالسَّقَمِ لَمْ أَبِتْ *** لِسُقْمِكَ إلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ
كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَك بِاَلَّذِي *** طُرِقْت بِهِ دُونِي فَعَيْنِي تَهْمُلُ
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْك وَإِنَّهَا *** لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلٌ
فَلَمَّا بَلَغْت السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي *** إلَيْهَا مَدَى مَا كُنْت فِيك أُؤَمِّلُ
جَعَلْت جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً *** كَأَنَّك أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ
فَلَيْتَك إذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي *** فَعَلْت كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ
فَأَوْلَيْتَني حَقَّ الجِوَارِ وَلَمْ تَكُن *** عليَّ بِحَالٍ دُونَ مَالك تبخَلُ
قَالَ : فَحِينَئِذٍ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَلَابِيبِ ابْنِهِ ، وَقَالَ : أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك ) . قَالَ سُلَيْمَانُ : لَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ بِهَذَا التَّمَامِ وَالشِّعْرِ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، تَفَرَّدَ بِهِ عُبَيْدُ بْنُ خَلَصَةَ .
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارٍ فِي دَارِنَا بالمُعْتَمِدِيَّةِ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنِ غَالِبٍ الْحَافِظِ ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ ، حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ شُجَاعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هِشَامٍ السَّكُونِيِّ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، ( عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ ، فَأَوَوْا إلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : يَا هَؤُلَاءِ ، لَا يُنْجِيكُمْ إلَّا الصِّدْقُ ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ : فَقَالَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ ، عَمِلَ لِي عَلَى فَرْقِ أُرْزٍ ، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ ، فَزَرَعْته ، فَصَارَ من أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْت من ذَلِكَ الْفَرْقِ بَقَرًا ، ثُمَّ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ ، فَقُلْت لَهُ : اعْمِدْ إلَى تِلْكَ الْبَقَرِ ، فَسُقْهَا فَإِنَّهَا من ذَلِكَ الْفَرْقِ فَسَاقَهَا . فَإِنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ من خَشْيَتِك فَفَرِّجْ عَنَّا ، فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ . فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَكَانَتْ لِي غَنَمٌ ، وَكُنْت آتِيهِمَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي ، فَأَبْطَأْت عَنْهُمَا ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَأَتَيْتهمَا وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ من الْجُوعِ ، وَكُنْت لَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقِظَهُمَا من رَقْدَتِهِمَا ، وَكَرِهْت أَنْ أَرْجِعَ فَيَسْتَيْقِظَا لِشُرْبِهِمَا ، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَقَامَا فَشَرِبَا ، فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْت ذَلِكَ من خَشْيَتِك فَفَرِّجْ عَنَّا ، فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ ، حَتَّى نَظَرُوا إلَى السَّمَاءِ . فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ من أَحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ ، وَإِنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ عَلَيَّ إلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَطَلَبْتهَا حَتَّى قَدَرْت عَلَيْهَا ، فَجِئْت بِهَا فَدَفَعْتهَا إلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي من نَفْسِهَا ، فَلَمَّا قَعَدْت بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ لِي : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إلَّا بِحَقِّهِ . فَقُمْت عَنْهَا ، وَتَرَكْت لَهَا الْمِائَةَ دِينَارٍ فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي تَرَكْت ذَلِكَ من خَشْيَتِك فَافْرِجْ عَنَّا ، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَخَرَجُوا يَمْشُونَ ) .
وَمِنْ تَمَامِ بِرِّ الْأَبَوَيْنِ صِلَةُ أَهْلِ وُدِّهِمَا ، لِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( إنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ ) .
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ ، وَسُخْطُ الرَّبِّ فِي سُخْطِ الْوَالِدَيْنِ ) . خَرَّجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ . وَلِذَلِكَ عَدَلَ عُقُوقُهُمَا الْإِشْرَاكَ فِي الْإِثْمِ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بِرَّهُمَا قَرِينُ الْإِيمَانِ فِي الْأَجْرِ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وَقَدْ أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ الْأَجَلُّ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الشَّاشِيُّ بِهَا قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيُّ فِي كِتَابِهِ ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْوَزِيرِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ ، عَنْ أُسَيْدَ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي أُسَيْدَ ، وَكَانَ بَدْرِيًّا قَالَ : ( كُنْت عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَجَاءَ رَجُلٌ من الْأَنْصَارِ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ هَلْ بَقِيَ من بِرِّ وَالِدِيَّ من بَعْدِ مَوْتِهِمَا شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا ، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا ، وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا بَعْدَهُمَا ، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا رَحِمَ لَك إلَّا من قِبَلِهِمَا ، فَهَذَا الَّذِي بَقِيَ عَلَيْك ) .
وَقَدْ ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهْدِي لِصَدَائِقِ خَدِيجَةَ بِرًّا بِهَا وَوَفَاءً لَهَا ) ، وَهِيَ زَوْجَةٌ ، فَمَا ظَنُّك بِالْأَبَوَيْنِ .
وَقَدْ أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا الْفِهْرِيُّ فِي الْمُذَاكَرَةِ أَنَّ الْبَرَامِكَةَ لَمَّا اُحْتُبِسُوا أَجْنَبَ الْأَبُ ، فَاحْتَاجَ إلَى غُسْلٍ ، فَقَامَ ابْنُهُ بِالْإِنَاءِ عَلَى السِّرَاجِ لَيْلَةً حَتَّى دَفِيءَ وَاغْتَسَلَ بِهِ ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ لَنَا وَلَكُمْ بِرَحْمَتِهِ .