{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا ( 24 )}
التفسير:
24-{واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ...}
خفض الجناح يراد به: التواضع والتدلل{[364]} .من الرحمة: أي من فرط رحمتك بهما وعطفك عليهما لكبرهما وافتقارهما إليك .
{وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا} .
أي: رب تعطف عليهما برحمتك ومغفرتك ،كما تعطفا علي في صغري ،فرحماني وربياني صغيرا .حتى استقللت بنفسي واستغنيت عنهما .
قال الزمخشري: أي: لا تكتف برحمتك بهما بل ادع الله أن يرحمها برحمته الواسعة ،واجعل ذلك جزاء لرحمتهما بك في صغرك وتربيتهما لك{[365]} .
وكلما كرر الإنسان قراءة هذه الآية ؛استشعر جمال التعبير القرآني وتلطفه في الوصول إلى حنايا النفس البشرية ،وروعته في تصوير الرحمة تصويرا رقيقا لطيفا حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عينا ولا يرفض أمرا وكأنما للذل جناح يخفضه إيذانا بالسلام والاستسلام ،{وقل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا} فهي الرعاية والحنان .وهو التوجه إلى الله أن يرحمهما فرحمة الله أوسع ورعاية الله أشمل .وجنات الله أرحب ،وهو أقرب على جزائهما بما بذل من دمهما وقلبهما مما لا يقدر على جزاءه الأبناء .
والخلاصة: أن الله سبحان قد بالغ في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعر منها جلود أهل العقوق وتقف عندها شعورهم من حيث افتتحها بالأمر بتوحيده وعبادته ثم شفعها بالإحسان إليهما ،ثم ضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى كلمة تنفلت من التضجر ،ثم أمر بالذل والخضوع للوالدين وبالدعاء لهما والترحم عليهما ؛فهي خمسة أمور مرتبة كالآتي:
1- الإحسان إلى الوالدين .
2- عدم التأفف والتضجر وعدم إيذائهما بالقول أو بالفعل .
3- التلطف في الخطاب والتأدب فيه ،مثل ذلك ألا ينادي أحدهما باسمه مجردا ولا يرفع صوته عليه بل يقول: يا أبي ويا أمي ولا يتكبر من أن يقبل يدهما ويبالغ في خدمتهما واحترامهما .
4- خفض الجناح ولين الجانب كما يفعل الطائر الذليل ،لا خوفا ولا رياء ولكن رحمة ورأفة بالسن الكبيرة والشيخوخة المتداعية .
5- الدعاء لله أن يرحمهما وأن يشملهما بعطفه ورضاه في الدنيا والآخرة .