الآية الخامسة : قَوْله تَعَالَى : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ من بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } .
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ لَامُ الْمَقْصُودِ وَالْفَائِدَةُ الَّتِي يَنْسَاقُ الْحَدِيثُ لَهَا وَتُنَسَّقُ عَلَيْهِ ، وَأَجَلُّهَا قَوْلُهُ : { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } . وَقَدْ تَتَّصِلُ بِالْفِعْلِ ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ ؛ وَتَتَّصِلُ بِالْحَرْفِ ، كَقَوْلِهِ { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } . وَقَدْ حَقَّقْنَا مَوْرِدَهَا فِي مَلْجَئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ إلَى مَعْرِفَةِ غَوَامِضِ النَّحْوِيِّينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ { مَنَافِعَ } :
فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : الْمَنَاسِكُ . الثَّانِي : الْمَغْفِرَةُ . الثَّالِثُ : التِّجَارَةُ . الرَّابِعُ : من الْأَمْوَالِ ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَذَلِكَ كُلُّهُ من نُسُكٍ وَتِجَارَةٍ وَمَغْفِرَةٍ وَمَنْفَعَةٍ دُنْيَا وَآخِرَةٌ .
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ عُمُومُ قَوْلِ : { مَنَافِعَ } ؛ فَكُلُّ ذَلِكَ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ ، وَهَذَا يُعَضِّدُهُ مَا فِي الْبَقَرَةِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا من رَبِّكُمْ } ، وَذَلِكَ هُوَ التِّجَارَةُ بِإِجْمَاعٍ من الْعُلَمَاءِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ : { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ } :
فِيهَا قَوْلَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ .
الثَّانِي : أَنَّهَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ .
وَبِالْأَوَّلِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمَعْلُومَاتِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ : الْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ النَّحْرِ ؛ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ . وَقَالَ : هُوَ النَّهَارُ دُونَ اللَّيْلِ . وَمِثْلَهُ رَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ ، وَثَبَتَ يَقِينًا أَنَّ الْمُرَادَ بِذَكَرِ اسْمِ اللَّهِ هَاهُنَا الْكِنَايَةُ عَنْ النَّحْرِ لِأَنَّهُ شَرْطُهُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : { فَكُلُوا } :
قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَكْلِ من لَحْمِ الصَّيْدِ ، وَجَرَى فِيهِ شَيْءٌ من ذِكْرِ الْهَدْيِ ، وَحَقِيقَتُهُ تَأْتِي بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : { وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } :
فَأَمَّا الْفَقِيرُ فَهُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى نَعْتِ مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ .
وَأَمَّا الْبَائِسُ فَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِ الْبُؤْسُ ، وَهُوَ ضَرَرُ الْمَرَضِ أَوْ ضَرَرُ الْحَاجَةِ .