الآية العاشرة : قوله تعالى : { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ في الآخرة ولا يكلِّمُهم اللهُ ولا ينظُرُ إليهم يَومَ القيامةِ ولا يُزَكِّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ } .
فيها مسألتان :
المسألة الأولى : في سبب نزولها :
قال قوم : نزلَتْ في اليهود ؛ كتبوا كتاباً وحَلفوا أنه من عند الله .
وقيل : نزلت في رجُل حلف يميناً فاجرة لتنفق سِلْعَته في البيع ؛ قاله مجاهد وغيره .
والذي يصحُّ أنَّ عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من حلف على يمين صَبْرِ ليقتطعَ بها مالَ امرئٍ مسلم لقِيَ الله وهو عليه غضبان » ؛ فأنزل الله تعالى تصديق ذلك : { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَليلاً . . . } الآية . قال : فجاء الأشعث بن قيس فقال : «فيَّ نزلتْ ، كان لي بئر في أرض ابن عمر ، وفي رواية : كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني . قال النبي عليه السلام : بيِّنتك أو يمينه . فقلت : إذاً يحلف يا رسول الله . فقال النبي صلى الله عليه وسلم . . . وذكر الحديث » .
وذلك يحتمل ما صحّ في الحديث وما رُوي عن اليهود .
المسألة الثانية : قال علماؤنا : هذا دليلٌ على أنَّ حُكْمَ الحاكم لا يُحِلّ المالَ في الباطن بقضاءِ الظاهر ، إذا عَلِمَ المحكوم له بُطلانَه .
وقد روَتْ أمُّ سلمة في الصحيح أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إنما أنا بَشَر ، وأنتم تختصمون إليَّ ، ولعلَّ بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحجَّتِه من بعض ، فأقضي له على نحوِ ما أسمع منه ، فمن قضيْتُ له بشيء من حقِّ أخيه فلا يأخذه ؛ فإنما أقطع له قِطْعةً من النار » .
وهذا لا خلافَ فيه بين الأمة ، وإنما ناقض أبو حنيفة وغَلاَ ، فقال : إنَّ حكْمَ الحاكم المبنيّ على الشهادة الباطلة يحلّ الفَرْج لمن كان محرَّماً عليه ، وسيأتي بُطْلان قوله في آية اللعان إن شاء الله تعالى .