الآية الثالثة عشرة : قَوْله تَعَالَى : { وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا } .
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّ الْإِذَايَةَ فِي الْأَبْكَارِ قَالَهُ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ .
الثَّانِي : أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي أَبْكَارِ الرِّجَالِ وَثَيِّبِهِمْ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ ؛ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ الْأُولَى مُؤَنَّثٌ ؛ فَاقْتَضَى النِّسَاءَ ؛ وَهَذَا لَفْظٌ مُذَكَّرٌ ، فَاقْتَضَى الرِّجَالَ .
وَرَدَّ عَلَيْهِ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالُوا : إنَّ لَفْظَ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ يَصْلُحُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى .
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَالصَّوَابُ مَعَ مُجَاهِدٍ ؛ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى نَصٌّ فِي النِّسَاءِ بِمُقْتَضَى التَّأْنِيثِ وَالتَّصْرِيحِ بِاسْمِهِنَّ الْمَخْصُوصِ لَهُنَّ ، فَلَا سَبِيلَ لِدُخُولِ الرِّجَالِ فِيهِ ، وَلَفْظُ الثَّانِيَةِ يَحْتَمِلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ ، وَكَانَ يَصِحُّ دُخُولُ النِّسَاءِ مَعَهُمْ فِيهَا لَوْلَا أَنَّ حُكْمَ النِّسَاءِ تَقَدَّمَ ، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ لَوْ اسْتَقَلَّتْ لَكَانَتْ حُكْمًا آخَرَ مُعَارِضًا لَهُ ، فَيُنْظَرُ فِيهِ ، وَلَكِنْ لَمَّا جَاءَتْ ، مَنُوطَةً بِهَا ، مُرْتَبِطَةً مَعَهَا ، مُحَالَةً بِالضَّمِيرِ عَلَيْهَا فَقَالَ : { يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ } عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ الرِّجَالَ ضَرُورَةً . وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا قُلْنَا - وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : إنَّ قَوْلَهُ : { وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا } عَامٌّ فِي الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ، فَاقْتَضَى مَسَاقُ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي زِنَا النِّسَاءِ عُقُوبَةَ الْإِمْسَاكِ فِي الْبُيُوتِ ، وَجَعَلَ فِي زِنَا الرِّجَالِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِيهِمَا جَمِيعًا الْإِيذَاءَ ، فَاحْتَمَلَ وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ الْإِيذَاءُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ عُقُوبَةً لَهُمْ عُقُوبَةً دُونَ الْإِمْسَاكِ ، وَاحْتَمَلَ الْإِيذَاءَ وَالْإِمْسَاكَ حَمْلًا عَلَى النِّسَاءِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ . وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَهَاهُنَا نُكْتَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : أَنَّ الْجَلْدَ بِالْآيَةِ وَالرَّجْمَ بِالْحَدِيثِ نَسَخَ هَذَا الْإِيذَاءَ فِي الرِّجَالِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْدُودًا إلَى غَايَةٍ ، وَقَدْ حَصَلَ التَّعَارُضُ ؛ وَعُلِمَ التَّارِيخُ ، وَلَمْ يُمْكِن الْجَمْعُ ، فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِالنَّسْخِ ؛ وَأَمَّا الْجَلْدُ فَقُرْآنٌ نَسَخَ قُرْآنًا ، وَأَمَّا الرَّجْمُ فَخَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ نَسَخَ قُرْآنًا ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُحَقِّقِينَ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ ، وَأَوْعَبْنَا الْقَوْلَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي قَبْلَ هَذَا فِيهِ .