الْآيَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ } .
فِيهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ الْآيَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِمَا قَبْلَهَا وَمُنْتَظِمَةٌ مَعَ مَا سَبَقَهَا ؛ وَهِيَ إخْبَارٌ من اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الْمَلَائِكَةِ بِأَنَّهُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا دَائِمُونَ ، وَعَلَيْهَا قَائِمُونَ ، وَبِهَا عَامِلُونَ ؛ فَلَا تَكُنْ من الْغَافِلِينَ فِيمَا أُمِرْت بِهِ وَكُلِّفْته . وَهَذَا خِطَابُهُ ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ جَمِيعُ الْأُمَّةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : هَذِهِ أَوَّلُ سُجُودِ الْقُرْآنِ ، وَفِيهِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً : الْأُولَى : هَذِهِ ، خَاتِمَةُ الْأَعْرَافِ .
الثَّانِيَةُ : فِي الرَّعْدِ : { وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } .
الثَّالِثَةُ : فِي النَّحْلِ : { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .
الرَّابِعَةُ : فِي بَنِي إسْرَائِيلَ : { وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } .
الْخَامِسَةُ : فِي مَرْيَمَ : { [ خَرُّوا ] سُجَّدًا وَبُكِيًّا } .
السَّادِسَةُ : فِي أَوَّلِ الْحَجِّ : { [ يَفْعَلُ ] مَا يَشَاءُ } .
السَّابِعَةُ : فِي آخِرِ الْحَجِّ : { تُفْلِحُونَ } .
الثَّامِنَةُ : فِي الْفُرْقَانِ : { نُفُورًا } .
التَّاسِعَةُ : فِي النَّمْلِ : { رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } .
الْعَاشِرَةُ : فِي تَنْزِيلُ : { وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } .
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : فِي ص : { [ وَخَرَّ رَاكِعًا ] وَأَنَابَ } .
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : فِي حم : { [ إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ ] تَعْبُدُونَ } .
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : آخِرُ النَّجْمِ : { وَاعْبُدُوا } .
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : فِي الِانْشِقَاقِ قَوْلُهُ : { لَا يَسْجُدُونَ } .
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ : خَاتِمَةُ الْقَلَمِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ وَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي ، فَيَقُولُ : يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَأَبَيْت فَلِيَ النَّارُ ) .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ ، فَيَسْجُدُ . وَنَسْجُدُ مَعَهُ ، حَتَّى مَا يَجِدَ أَحَدُنَا مَكَانًا لِجَبْهَتِهِ لِيَسْجُدَ فِيهِ ) .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ ( رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ عَامَ الْحَجِّ سَجْدَةً ، فَسَجَدَ النَّاسُ كُلُّهُمْ ، مِنْهُمْ الرَّاكِبُ وَالسَّاجِدُ فِي الْأَرْضِ ، حَتَّى إنَّ الرَّاكِبَ يَسْجُدُ عَلَى ثَوْبِهِ ) .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ ؛ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ : لَيْسَ بِوَاجِبٍ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : هُوَ وَاجِبٌ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ عَوَّلَ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ عَلَى الْوُجُوبِ . وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ) .
وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحَافِظُ عَلَيْهَا إذَا قَرَأَهَا .
وَعَوَّلَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ الثَّابِتِ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ سَجْدَةً وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَنَزَلَ فَسَجَدَ فَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ . ثُمَّ قَرَأَ بِهَا فِي الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى ، فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ ، فَقَالَ : عَلَى رِسْلِكُمْ ، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا ، إلَّا أَنْ نَشَاءَ . وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ من الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَثَبَتَ الْإِجْمَاعُ بِهِ فِي ذَلِكَ ؛ وَلِهَذَا حَمَلْنَا جَمِيعَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلِهِ عَلَى النَّدْبِ وَالتَّرْغِيبِ .
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ ، فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ } . إخْبَارٌ عَنْ السُّجُودِ الْوَاجِبِ ؛ وَمُوَاظَبَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ .
وَقَدْ اسْتَوْعَبْنَا الْقَوْلَ فِيهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : لَا بُدَّ فِيهَا من الطَّهَارَةِ ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ ، فَوَجَبَتْ فِيهَا الطَّهَارَةُ ، كَسُجُودِ الصَّلَاةِ . وَكَذَلِكَ التَّكْبِيرُ مِثْلُهُ ؛ فَقَدْ رُوِيَ فِي الْأَثَرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَجَدَ كَبَّرَ ، وَكَذَلِكَ إذَا رَفَعَ كَبَّرَ ) . وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا هَلْ فِيهَا تَحْلِيلٌ بِالسَّلَامِ أَمْ لَا ؟ وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِيهَا تَحْلِيلًا [ بِالسَّلَامِ ] ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَهَا تَكْبِيرٌ ، فَكَانَ فِيهَا سَلَامٌ ، كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ ، بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ هَذَا فِعْلٌ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ قَوْلٌ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي صَلَاتِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا ؛ فَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهَا تُصَلَّى فِيهَا ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ .
الثَّانِيَةُ : لَا تُصَلَّى ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ .
مُتَعَلَّقُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ ، وَمُتَعَلَّقُ الْقَوْلِ الثَّانِي عُمُومُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَوَاتِ .
وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَقْوَى ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالسُّجُودِ عَامٌّ فِي الْأَوْقَاتِ ، وَالنَّهْيَ خَاصٌّ فِي الْأَوْقَاتِ ، وَالْخَاصُّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ؛ وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدِي ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : سَجْدَةُ الْحَجِّ الثَّانِيَةُ :
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ وَغَيْرُهُمَا : هِيَ عَزِيمَةٌ . وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا : إنَّهَا لَيْسَتْ سُجُودَ عَزِيمَةٍ ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ رُكُوعِ الصَّلَاةِ وَسُجُودِهَا ؛ وَدَلِيلُنَا أَنَّ عُمَرَ سَجَدَ فِيهَا وَهُوَ يَفْهَمُ الْأَمْرَ أَقْعَدَ ، وَبَيْنَ قَوْمٍ كَانُوا أَفْهَمَ وَأَسَدَّ ؛ فَبِهِمْ فَاقْتَدِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَالَ الشَّافِعِيُّ : يُسْجَدُ فِي النَّمْلِ عِنْدَ [ قَوْلِهِ ] : { وَمَا يُعْلِنُونَ } عِنْدَ تَمَامِ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ . وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ : يُسْجَدُ عِنْدَ قَوْلِهِ : { الْعَلِيمُ } . الَّذِي فِيهِ تَمَامُ الْكَلَامِ ، وَهُوَ أَقْوَى .
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : سَجْدَةُ " ص " : عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَجْدَةُ شُكْرٍ ، وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ . وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَخَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ { ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَجْدَةُ { ص } لَيْسَتْ من عَزَائِمِ السُّجُودِ ، وَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَهَا .
وَقَالَ مَالِكٌ : هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهِيَ عَزِيمَةٌ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ لَهُ : { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهْ } ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ : ص ، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا ، فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ لِلسُّجُودِ وَنَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا .
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ : السُّجُودُ فِيهَا عِنْدَ تَمَامِ قَوْلِهِ : { وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } لِأَنَّهُ تَمَامُ الْكَلَامِ ، وَمَوْضِعُ الْخُضُوعِ وَالْإِنَابَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عِنْدَ قَوْلِهِ : { وَحُسْنَ مَآبٍ } ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ التَّوْبَةِ وَحُسْنِ الْمَآبَةِ . وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ ؛ رَجَاءَ الِاهْتِدَاءِ فِي الِاقْتِدَاءِ وَالْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الِامْتِثَالِ ، كَمَا غُفِرَ لِمَنْ سَبَقَ من الْأَنْبِيَاءِ .
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : السُّجُودُ فِي فُصِّلَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ : { إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ } ؛ لِأَنَّهُ انْتِهَاءُ الْأَمْرِ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ : { وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ امْتِثَالِ مَنْ أُمِرَ عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ اسْتَكْبَرَ ، فَيَكُونُ هَذَا مِنْهُمْ . وَالْأَوَّلُ الْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ يَمْتَثِلُ الْأَمْرَ وَيَخْرُجُ عَمَّنْ اسْتَكْبَرَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : أَمَّا سَجْدَةُ " النَّجْمِ " : فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ { وَالنَّجْمِ } فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا .
وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى الْعُلَمَاءُ الْأَئِمَّةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ وَالنَّجْمِ ، فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ ، فَأَخَذَ رَجُلٌ من الْقَوْمِ كَفًّا من حَصًى أَوْ تُرَابٍ ، فَرَفَعَهُ إلَى وَجْهِهِ ، وَقَالَ : يَكْفِينِي هَذَا . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَلَقَدْ رَأَيْته بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا .
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ بِالنَّجْمِ وَسَجَدَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ ، وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ ) ، فَكَيْفَ يَتَأَخَّرُ أَحَدٌ عَنْهَا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ ( أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَرَأَ لَهُمْ : { إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ } فَسَجَدَ فِيهَا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجَدَ فِيهَا وَفِي : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك } .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ من الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ ) .
قُلْنَا : هَذَا خَبَرٌ لَمْ يَصِحَّ إسْنَادُهُ ، وَلَوْ صَحَّ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ قَرَأَهُ وَلَمْ يَسْجُدْ فِيهِ ، فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْرَأْ بِهِ فِي صَلَاةِ جَمَاعَةٍ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ : { الم تَنْزِيلُ } السَّجْدَةَ ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ [ حِينٌ من الدَّهْرِ ] ) .