الْآيَةُ التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ : قوله تعالى : { لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى من أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } .
فِيهَا سَبْعُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى { أَبَدًا } :
ظَرْفُ زَمَانٍ ، وَظُرُوفُ الزَّمَانِ عَلَى قِسْمَيْنِ : ظَرْفٌ مُقَدَّرٌ كَالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، وَظَرْفٌ مُبْهَمٌ عَلَى لُغَتِهِمْ ، وَمُطْلَقٌ عَلَى لُغَتِنَا ؛ كَالْحِينِ وَالْوَقْتِ . وَالْأَبَدُ من هَذَا الْقِسْمِ ، وَكَذَلِكَ الدَّهْرُ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْمُشْكِلَيْنِ وَشَرْحِ الصَّحِيحَيْنِ ، وَمُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ ، بَيْدَ أَنَّا نُشِيرُ فِيهِ هَاهُنَا إلَى نُكْتَةٍ من تِلْكَ الْجُمَلِ ، وَهِيَ أَنَّ " أَبَدًا " وَإِنْ كَانَ ظَرْفًا مُبْهَمًا لَا عُمُومَ فِيهِ ، وَلَكِنَّهُ إذَا اتَّصَلَ بِالنَّهْيِ أَفَادَ الْعُمُومَ ، لَا من جِهَةِ مُقْتَضَاهُ ، وَلَكِنْ من جِهَةِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : لَا تَقُمْ فِيهِ لَكَفَى فِي الِانْكِفَافِ الْمُطْلَقِ ، فَإِذَا قَالَ " أَبَدًا " فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا تَقُمْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ ، وَلَا فِي حِينٍ مِنَ الْأَحْيَانِ ، وَقَدْ فَهِمَ ذَلِكَ أَهْلُ اللِّسَانِ ، وَقَضَى بِهِ فُقَهَاءُ الْإِسْلَامِ ، فَقَالُوا : لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا طَلُقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى : { لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى } :
اُخْتُلِفَ فِيهِ ، فَقِيلَ : هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ ؛ يُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَالْحَسَنُ . وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ : { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } وَمَسْجِدُ قُبَاءَ كَانَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ أُسِّسَ بِالْمَدِينَةِ .
وَقِيلَ : هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَشْهَبُ عَنْهُ قَالَ مَالِكٌ : الْمَسْجِدُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى من أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ إذْ كَانَ يَقُومُ رَسُولُ اللَّهِ وَيَأْتِيهِ أُولَئِكَ من هُنَالِكَ . وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِمًا } هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَنَزَعَ مَالِكٌ بِاسْتِوَاءِ اللَّفْظَيْنِ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِي ذَلِكَ تَقُومُ فِيهِ . وَقَالَ فِي هَذَا قَائِمًا ؛ فَكَانَا وَاحِدًا ، وَهَذِهِ نَزْعَةٌ غَرِيبَةٌ ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : ( تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى من أَوَّلِ يَوْمٍ ؛ فَقَالَ رَجُلٌ : هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ ؛ وَقَالَ آخَرُ : هُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : هُوَ مَسْجِدِي هَذَا ) .
قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ، وَجَزَمَ مُسْلِمٌ أَيْضًا بِمِثْلِهِ .
فَإِنْ قِيلَ ، وَهِيَ :
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فَقَوْلُهُ : { فِيهِ فِيهِ } :
ضَمِيرَانِ يَرْجِعَانِ إلَى مُضْمَرٍ وَاحِدٍ بِغَيْرِ نِزَاعٍ ، وَضَمِيرُ الظَّرْفِ الَّذِي يَقْتَضِي الرِّجَالَ الْمُتَطَهِّرِينَ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ ؛ فَذَلِكَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى ، وَهُوَ مَسْجِدُ قُبَاءَ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ الرِّجَالِ الْمُتَطَهِّرِينَ هُوَ ضَمِيرُ مَسْجِدِ قُبَاءَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ؛ قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ : { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا . . . } . قَالَ : كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ .
وَقَالَ قَتَادَةُ : ( لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَهْلِ قُبَاءَ : إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطَّهُورِ ؛ فَمَا تَصْنَعُونَ ؟ فَقَالُوا : إنَّا نَغْسِلُ أَثَرَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْمَاءِ ) .
قُلْنَا : هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَصِحَّ . وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ .
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الطَّهَارَةِ الْمُثْنَى بِهَا عَلَى أَقْوَالٍ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا نَحْنُ فِيهِ ، كَالتَّطَهُّرِ بِالتَّوْبَةِ من وَطْءِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ وَشَبَهِهِ .
فَأَمَّا قَوْلُهُ : { مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ } فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى من أَوَّلِ مُبْتَدَأِ تَأْسِيسِهِ أَيْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ ، وَلَا وُضِعَ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ مِنْهُ إلَّا عَلَى اعْتِقَادِ التَّقْوَى .
وَاَلَّذِينَ كَانُوا يَتَطَهَّرُونَ ، وَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ جُمْلَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَحْتَاطُونَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالنَّظَافَةِ ، فَيَمْسَحُونَ مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ بِالْحِجَارَةِ تَنْظِيفًا لِأَعْضَائِهِمْ ، وَيَغْتَسِلُونَ بِالْمَاءِ تَمَامًا لِعِبَادَتِهِمْ ، وَكَمَالًا لِطَاعَتِهِمْ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : هَذَا ثَنَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ أَحَبَّ الطَّهَارَةَ ، وَآثَرَ النَّظَافَةَ ، وَهِيَ مُرُوءَةٌ آدَمِيَّةٌ ، وَوَظِيفَةٌ شَرْعِيَّةٌ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : ( مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ ) .
وَفِي الصَّحِيحِ ( أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَحْمِلُ مَعَهُ الْمَاءَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ ، فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحِجَارَةَ تَخْفِيفًا ، وَالْمَاءَ تَطْهِيرًا ) ، وَاللَّازِمُ فِي نَجَاسَةِ الْمَخْرَجِ التَّخْفِيفُ ، وَفِي نَجَاسَةِ سَائِرِ الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ التَّطْهِيرُ ؛ وَتِلْكَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي حَالَتَيْ وُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ . وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ .
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لَا يُسْتَجْمَرُ بِالْأَحْجَارِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ . وَفِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى . وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الصَّحِيحَيْنِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ .
وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ فَلِعُلَمَائِنَا فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : فَقَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ : يَجِبُ غَسْلُهَا بِالْمَاءِ فِي حَالَتَيْ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ . وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْهُ : ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَفْصِيلِ الْحَالَيْنِ جَمِيعًا . وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ : يَجِبُ فِي حَالَةِ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ ؛ وَهِيَ من مُفْرَدَاتِهِ .
وَالدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ قَوْله تَعَالَى { وَثِيَابَك فَطَهِّرْ } ؛ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِطَهَارَةِ ثِيَابِهِ حَتَّى إنْ أَتَتْهُ الْعِبَادَةُ وَجَدْته عَلَى حَالَةٍ مُهَيَّأَةٍ لِأَدَائِهَا .
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : إنَّ الثِّيَابَ كِنَايَةٌ ، وَذَلِكَ دَعْوَى لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا .
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى سُقُوطِ طَهَارَتِهَا بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَغُسِلَ بِالْمَاءِ ؛ فَإِنَّ الْحَجَرَ لَا يُزِيلُهُ .
قُلْنَا : هَذِهِ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ أَمَرَ بِهَا ، وَعَفَا عَمَّا وَرَاءَهَا .
وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ حَالِ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ فَفِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ بُرْهَانُهُ ، وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَنَّ رَفْعَ الْمُؤَاخَذَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : بَنَى أَبُو حَنِيفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَرْفٍ ، فَقَالَ : إنَّ النَّجَاسَةَ إذَا كَانَتْ كَثِيرَةً وَجَبَتْ إزَالَتُهَا ، وَإِذَا كَانَتْ قَلِيلَةً لَمْ تَجِبْ إزَالَتُهَا ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ يَعْنِي كِبَارَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ عَلَى قَدْرِ اسْتِدَارَةِ الدِّينَارِ ، قِيَاسًا عَلَى الْمَسْرَبَةِ . وَهَذَا بَاطِلٌ من وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ عِنْدَهُ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا ؛ فَلَا يُقْبَلُ هَذَا التَّقْدِيرُ مِنْهُ .
الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الَّذِي خُفِّفَ عَنْهُ فِي الْمَسْرَبَةِ رُخْصَةٌ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ ، وَالرُّخَصُ لَا يُقَاسَ عَلَيْهَا ، فَإِنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ : فَلَا تُرَدُّ إلَيْهِ .
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى : { أَحَقُّ } :
هُوَ أَفْعَلُ مِنَ الْحَقِّ ، وَأَفْعَلُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بَيْنَ شَيْئَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ ، لِأَحَدِهِمَا فِي الْمَعْنَى الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْآخَرِ ، فَيُحَلَّى بِأَفْعَلَ ، وَأَحَدُ الْمَسْجِدَيْنِ -وَهُوَ مَسْجِدُ الضِّرَارِ- بَاطِلٌ لَا حَظَّ لِلْحَقِّ فِيهِ ، وَلَكِنْ خَرَجَ هَذَا عَلَى اعْتِقَادِ بَانِيهِ أَنَّهُ حَقٌّ ، وَاعْتِقَادُ أَهْلِ مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قُبَاءَ أَنَّهُ حَقٌّ ، فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْحَقِّ من جِهَةِ الِاعْتِقَادِ ، لَكِنَّ أَحَدَ الِاعْتِقَادَيْنِ بَاطِلٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَالْآخَرُ حَقٌّ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، وَهُوَ كَثِيرٌ كَقَوْلِهِ : ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) : يَعْنِي من أَهْلِ النَّارِ . وَلَا خَيْرَ فِي مَقَرِّ النَّارِ وَلَا مَقِيلِهَا ، وَلَكِنَّهُ جَرَى عَلَى اعْتِقَادِ كُلِّ فِرْقَةٍ أَنَّهَا عَلَى خَيْرٍ ، وَأَنَّ مَصِيرَهَا إلَيْهِ ؛ إذْ كُلُّ حِزْبٍ فِي قَضَاءِ اللَّهِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ، حَتَّى يَتَمَيَّزَ بِالدَّلِيلِ لِمَنْ عُضِّدَ بِالتَّوْفِيقِ فِي الدُّنْيَا ، أَوْ بِالْعِيَانِ لِمَنْ ضَلَّ فِي الْآخِرَةِ ، وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ هَذَا :