قوله تعالى : { وأقم الصلاة } .
لم يختلف أحد بأنه يراد بالصلاة هنا الصلاة المفروضة . واختلف في صلاة طرفي النهار والزلف من الليل ما هي ؟ فقيل الطرف الأول الصبح والثاني الظهر والعصر والزلف المغرب والعشاء ، قاله مجاهد {[9334]} وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المغرب والعشاء هما زلفتا الليل . وقيل الطرف الأول الصبح والثاني العصر والزلف المغرب والعشاء وليست الظهر بمذكورة في {[9335]} الآية على هذا القول ، وإلى نحو هذا {[9336]} ذهب الحسن وغيره {[9337]} . وقيل الطرف الأول الصبح والثاني المغرب والزلف العشاء وليست الظهر والعصر في الآية ، وإليه ذهب ابن عباس وروي عن الحسن أيضا {[9338]} . وقيل الطرف الأول الظهر والثاني العصر والزلف المغرب والعشاء والصبح . ورجح الطبري أن الطرفين الصبح والمغرب ، وهو الظاهر من الآية {[9339]} ورجح بعضهم القول الأول وقال حمل الآية على الصلوات الخمس أولى {[9340]} .
وقوله : { إن الحسنات يذهبن السيئات } :
اختلف في الحسنات ما هي ؟ فذهب الجمهور إلى أن الحسنات يراد بها الصلوات الخمس ، وإلى هذا ذهب عثمان في الآية {[9341]} عند وضوئه على المقاعد وهو الذي {[9342]} تأول ذلك {[9343]} وقيل الحسنات : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر {[9344]} . والأظهر أن يحمل لفظ الحسنات على عمومه . وأما السيئات فلا خلاف أنه لفظ عام يراد به الخصوص لأن الحسنات لن تذهب كل السيئات وإنما يذهب منها صغائرها كما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الجمعة إلى الجمعة والصلوات الخمس ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما إن اجتنبت الكبائر " {[9345]} . فهذا يبين أن الكبائر لا تذهبها الحسنات . إلا أنه اختلف هل تذهب الحسنات {[9346]} الصغائر أم لا وإن ارتكب معها كبائر أم أنها تذهب الحسنات الصغائر ما لم يرتكب معها كبائر على قولين ، وظاهر الآية أنها تذهبها وإن كانت معها كبائر . فأما الحديث فظاهره القول الآخر ، إلا أنه ينبغي أن يتأول على مثل ظاهر الآية ، والتأويل فيه سائغ أي كفارة لما بينهما من كل ما عدا الكبائر فإنها إن كان بينها كبائر لم تكن بعد كفارة {[9347]} لما بينها على الإطلاق وإنما هي كفارة على الخصوص ، فهذا {[9348]} يكون معنى التغيير {[9349]} ، وهذا القول أحسن ، وهذا كله بشرط المتاب من الصغائر وأن لا يصر عليها . واختلف في سبب هذه الآية : { إن الحسنات } فقيل نزلت في رجل من الأنصار يقال له أبو اليسر بن عمرو {[9350]} ويقال اسمه عباد خلا بامرأة فقبلها وتلذذ بها {[9351]} دون الجماع ثم جاء إلى عمر فشكا إليه فقال : قد ستر الله عليك فاستر على نفسك . فقلق الرجل فجاء أبا بكر فقال له مثل مقالة عمر ، فقلق الرجل . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى معه ثم أخبره وقال له اقض في ما شئت . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعلها زوجة غاز في سبيل الله " . قال : نعم . فوبخه وقال ما أدري فنزلت هذه الآية ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاها عليه ، فقال معاذ بن جبل {[9352]} : أله يا رسول الله خاصة ؟ فقال بل للناس عامة {[9353]} . وقيل بل نزلت قبل ذلك واستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الرجل ، وروي أن عمر قال ما حكي عن معاذ .