ثم قال تعالى : { اجعلني على خزائن الأرض . . . } فسأل يوسف فرعون أن يوليه عملا فولاه . وقد اختلف في طلب الولايات كالقضاء ونحوه مباهاة بذلك وطلب منزلة هل يجوز أم لا ؟ فكرهته طائفة لأن طلب المباهاة في الدنيا مكروه ، قال الله تعالى : { تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ( 83 ) } [ القصص : 83 ] وذهبت طائفة أخرى إلى أن طلبه لذلك غير مكروه لأن طلب المنزلة بما أبيح غير مكروه {[2]} قالوا وقد رغب نبي الله يوسف إلى فرعون في الولاية والخلافة فقال : { اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم } وهاتان الصفتان تعمان وجوب التثقيف والحيطة لا يدخل معهما خلل على عامل . إلا أن المفسرين قد خصصوهما بأشياء ينبغي أن تساق على جهة المثال . قال بعضهم حفيظ لما استودعت عليهم بما وليت ، وهو قول عبد الرحمن بن زيد {[3]} . وقال بعضهم حفيظ للحساب عليهم بالألسن وهو قول الأشجعي {[4]} . ويخرج اللفظ بهذا القول عن التزكية ليوسف وعلى القول الأول فيه التزكية ظاهرة {[5]} . اختلف في جواز الولاية من قبل الظالم . فذهب قوم إلى جواز ذلك إذا عمل بالحق فيما يولي ، واحتجوا بأن يوسف تولى من قبل فرعون ليكون بعدله دافعا لجوره . وذهب طائفة أخرى إلى المنع من ذلك لما فيها {[6]} من إعانة الظالمين وتزكيتهم بالتقليد لأوامرهم {[7]} وأجابوا على ولاية يوسف برأيين {[8]} :
أحدهما : أن فرعون يوسف كان صالحا وإنما الطاغي فرعون موسى .
والثاني : أنه نظر له في أملاكه دون أعماله . وروي عن مالك رحمه الله تعالى أنه قال : مصر خزانة الأرض ، واحتج بهذه الآية {[9]} .